وكَيفَ اِلتِذاذي بِالأَصائِلِ وَالضُحى إِذا لَم يَعُد ذاكَ النَسيمُ الَّذي هَبّا
ذَكَرتُ بِهِ وَصلاً كَأَن لَم أَفُز بِهِ وَعَيشاً كَأَنّي كُنتُ أَقطَعُهُ وَثبا
وَفَتّانَةَ العَينَينِ قَتّالَةَ الهَوى إِذا نَفَحَت شَيخاً رَوائِحُها شَبّا
يُصوِّرُ لنا المتنبي في هذه الأبيات تأثُّره بالذكرياتِ القديمة، وحنينَه إلى أزمنةٍ مضتْ، كانت مراتِع اللذات. وهو يتساءلُ إن كانَ بإمكانه التذاذٌ بأي شيءٍ إلا تلك الذكريات وتَردادُها في النَّفس.
لكن اللافت في الأمر أن الشاعر ليس في حالةٍ مزرية، ولا يتعرَّضُ لأي أذى، هو فقط يُصوَّرُ أن تلك الأزمنة القديمة كانت أجمل، فهل الماضي أجمل دائما..؟
ينطلق بعضُ الناس مِن مبدأٍ بسيط هو أنه ليس بالإمكان أن يأتي أحسنُ ممَّا كان، ويكفي عندهم من التبرير لذلك تعلُّقهم بالذكريات، وحبُّهم لها. غير أن رأياً آخر يفترضُ أننا -نحن البشر- مركَّبونَ على حبِّ الماضي؛ لأن ذاكرتَنا تحتفظُ بالمواقفِ مصحوبةً بسياقاتِها المختلفة، وهو ما يجعلُها أكثر كثافةً وجمالاً. ولعلَّ (محمود درويش) أحسن التعبير عن ذلك حين قال: "ولم أكن ولداً سعيدا كي أقول الأمس أجمل دائما، لكنَّ لٍلذِّكرى يديْن خففَتيْنِ تُهَيِّجانِ الأرضَ بالحمَّى..".
فما ترونَ في سحريَّةِ الماضي هذه؟
التعليقات