في الفترة الأخيرة كانت هيئة الرقابة في تركيا صارمة جدًا بخصوص الأعمال التي تحتوي على مشاهد عنف كثيرة. بالأخص مشاهد العنف ضد المرأة لأنه في الفترة الاخيرة كذلك وقعت عدة حوادث بشعة تخص النساء في تركيا قلبت الرأي العام، وبالتفكير في دور هيئة الرقابة في بلادنا الذي لا التمس أي قيمة كبيرة له في الوقت الحالي، فهل سمعنا في مرة عن إيقاف عمل بالكامل من العرض بسبب إضراره بالمجتمع أو مخالفته لقيمه؟ ( ربما مرات نادرة قديما، ولكن في آخر ١٠ سنوات مثلًا، هل يوجد؟ لا اعتقد ذلك) ومن هنا أتساءل فعليًا عن دور هيئات الرقابة الفنية وطرق تقييمها وتقويمها للأعمال الفنية، ما الذي يمنعها من إيقاف عمل غير مناسب؟ أهو عائق تقييد حرية الإبداع الذي يندد به أصحاب المجال خوفًا على مصالحهم، أم هناك أسبابًا أخرى؟
إيقاف هيئة الرقابة للأعمال الفنية المخالفة لمعاييرها تقييد لحرية الفن والإبداع أم حماية لقيم وعادات المجتمع؟
هنا أتساءل فعليًا عن دور هيئات الرقابة الفنية وطرق تقييمها وتقويمها للأعمال الفنية، ما الذي يمنعها من إيقاف عمل غير مناسب؟ أهو عائق تقييد حرية الإبداع الذي يندد به أصحاب ال
الهدف من الرقابة ليس إلغاء حرية التعبير، بل وضع حدود تمنع الانحراف عن إطار المسؤولية الاجتماعية ومن المؤكد أن هناك توازنًا حساسًا بين حماية قيم وعادات المجتمع وبين ضمان حرية التعبير والإبداع الفني. هذا التوازن هو ما يجعل دور هيئات الرقابة موضوعًا معقدًا وحساسًا.
الأمر يتطلب توازنًا دقيقًا بين حماية القيم المجتمعية واحترام حرية التعبير الفني. يمكن أن تكون الرقابة مفيدة إذا كانت تستخدم بوعي ودقة لحماية المجتمع دون أن تصبح أداة لقمع الإبداع والتنوع الفني. الأساس هو وجود معايير واضحة وشفافة لتقييم الأعمال الفنية، وضمان أن القرارات المتعلقة بالرقابة تتم بشكل موضوعي وعادل.
كلام جميل ولكن كيف يطبق على أرض الواقع؟ المعايير المجتمعية الأخلاقية تختلف من بيت لبيت ومن أسرة لأسرة، حتى أفراد الأسرة الواحدة تختلف معاييرهم الاخلاقية، وبناء عليه فالفنانين والقائمين على المجال تكون لهم معاييرهم الخاصة التي لا يرون أنها تمس أخلاقيات المجتمع في شيء لأنهم في الأساس بنسبة كبيرة يختلفون معها، بمعنى أن بعض مما يبدو لنا غير أخلاقي هو أخلاقي أو مسموح به من وجهة نظرهم، والعكس صحيح، وبالتالي السؤال الذي نحن أمامه الآن على أساس تضع هيئة الرقابة معاييرها التي تعاقب على أساسها الأعمال الفنية المخالفة؟ وإذا نظرنا لمثال المساهمة مثلا، لماذا نمنع عمل يناقش العنف ضد المرأة أو به مشاهد عنف تمثل الواقع؟ لماذا نعاقب عمل فني ينقل الواقع أو يحاول إيجاد حلول له أو تسليط الضوء على مشكلة بعنيها!
تطبيق معايير الرقابة على أرض الواقع يتطلب توازناً دقيقاً بين حماية القيم المجتمعية وضمان حرية التعبير الفني.. وصحيح أن القيم والمعايير تختلف من أسرة لأخرى وحتى بين أفراد الأسرة الواحدة، وهذا يجعل تحديد معيار موحد أمرًا صعبًا. في هذا السياق، يمكن لهيئة الرقابة أن تستند إلى معايير عامة متفق عليها نسبيًا، مثل الدستور، القانون، والمبادئ الأخلاقية المشتركة، مثل رفض العنف الصريح، الكراهية، أو التشجيع على الجريمة..
والفن بطبيعته يعكس الواقع، أحيانًا بجرأة لا تُرضي الجميع. منع عمل يتناول اي عنف قد يُخفي مشكلة موجودة بالفعل بدلاً من معالجتها. الحل ليس المنع، بل وضع إطار توعوي: إذا كان العمل يحتوي على مشاهد عنف، يمكن تصنيفه لفئات عمرية معينة أو إرفاقه بتحذيرات مسبقة
بخصوص المثال الذي في المساهمة حول العنف ضد المرأة، من المهم أن نفرق بين الأعمال التي تروج للعنف وتلك التي تحاول نقله لزيادة الوعي وحل المشكلة. الأعمال الفنية التي تسلط الضوء على قضايا مهمة يجب أن تحظى بمساحة للتعبير، مع التأكد من أنها تُقدم بطرق لا تؤدي إلى إيذاء المشاعر أو ترويج العنف. في النهاية، تحقيق هذا التوازن يتطلب جهودًا متواصلة وتعاونًا بين جميع الأطراف المعنية لضمان أن تكون الفنون وسيلة لإثراء المجتمع وحل مشاكله بدلاً من أن تكون مصدرًا للجدل.
شخصيًا لا أتفق مع مفهوم هيئات الرقابة الفنية للأفلام والمسلسلات، على الأقل بشكلها المقدم في مجتماعتنا العربية، لأن أولًا دورها غير مبرر لأنها قبل أن تقتطع جزء من الحرية الفنية للصانع تقوم بذلك مع الجمهور أيضًا، وأخص بالذكر الأفلام الأجنبية التي تصل لنا مقصوصة بشكل قد يخل ببناء الفيلم كليًا، وهذا لا يخص بالمناسبة أفلام تحتوي على مشاهد عُري مثلًا فقط، قد تكون مشاهد حوار تخص انتقادات للأديان، مثل في حالة فيلم heretic، وثانيًا كون الرقابة تتناسى أن حتى مسألة العُري والمشاهد النابية، فيوجد تصنيف رقابي لأعمار الفيلم مثل pg-13 و R فهي ليست وصي على أخلاقيات العائلات الذاهبة للسينما.
يضحكني دور الرقابة في التعامل مع الأعمال الأجنبية لأنه بعيدا عن وجود الانترنت والذي من خلاله يستطيع الناس ممن فوق عمر التصنيف وممن تحته مشاهدة العمل كاملا، إلا أنها لا تقوم بالمثل مع المحتوى العربي والذي يمس بشكل مباشر المواطن العربي الذي تحاولون حمايته! الألفاظ النابية، وقصص البلطجة التي تمجد شخصيات إجرامية وتظهرها في صورة أبطال، العادات الغريبة والدخيلة على مجتمعاتنا! كلها مشكلات تمتلئ بها الأعمال العربية ولا نجد من يتحدث عنها أو يقتصها! كانت لدي مساهمة قديمة بخصوص عرض أحد الأفلام الأجنبية التي لا أتذكر اسمها حاليا ولكنه كان من بطولة جينا أورتيجا، والسبب ببساطة أنه يحتوي على مشاهد غير لائقة، في حين فيلم كأولاد رزق بكل ما يحتويه من مشاهد وحوارات غير لائقة استمر لثلاث أجزاء بدون أي تعليق من الرقابة، ويحقق أعلى الإيرادات في شباك التذاكر! أين الخوف على أخلاقيات المجتمع هنا!
مقال موفق رنا، خصوصاً أن الأعمال الفنية لها دور شديد التأثير على تشكيل الثقافة والرأي العام، فما يتم تقديمه في عمل فني بشكل كوميدي محبب كمثال، يتخذ طريقه للقبول في ذوق المشاهد، بغض النظر إن كان في ذاته مقبولاُ أم العكس.
كذلك تواتر مشاهد العنف ضد النساء أو العنف بشكل عام لابد أنه سيكون له ما يبرره في سياق العمل الفني، وبالتالي سيتسلل لوعي المتفرج وربما ينفجر في وعيه في لحظة غضب تتشابه في مبررها مع المشهد التمثيلي.
أعتقد أن الرقابة على الأعمال الفنية لها أهمية خطيرة، وأعتقد كذلك وأحب أن أعرف رأيك: أن الأعمال الفنية التي أجتمع فيها شقي الفائدة والتشويق قليلة ونادرة بالفعل.
وبالتالي سيتسلل لوعي المتفرج وربما ينفجر في وعيه في لحظة غضب تتشابه في مبررها مع المشهد التمثيلي.
لا أنكر تأثير السينما على سلوكيات الأفراد، هناك أشخاص ارتكبوا جرائم قتل تأثرا ببعض الأعمال الشهيرة، أتتذكر سلسلة أفلام scream والقاتل ذات قناع ghost face بسبب هذه السلسلة حدثت أكثر من سلسلة جرايم قتل في أمريكا بسبب هوس القتلة بالفيلم، ولكن هل الفيلم هو من حولهم لقتلة؟ في رأيي لا الدافع وراء القتل أو الاعتلال النفسي المؤدي للعنف أو يشجعه ويستمتع به موجود من قبل ولكن لنقل أنه كان خامل ونشطه الفيلم بسبب ما شعروا به من حماس وتشويق عند مشاهدته، وبالتالي لا نستطيع لوم الفن على مرض الآخرين، ولكن يمكنه أن يكون وسيلة علاج أو منع كما كان وسيلة تحفيز وهذا يقع على عاتق صناع المجال وكيف يمكن أن يجعلوا العمل يقوم بهذا الدور.
شقي الفائدة والتشويق قليلة ونادرة بالفعل.
هي نادرة بالفعل، لأن الجمع بينهما في عمل واحد صعب ويحتاج لمواهب قوية قائمة على صناعة العمل، فالأعمال المفيدة قد تكون مملة بسبب طبيعة موضوعاتها، والتشويق والمتعة تحتاج لبعض المبالغات والخيالات التي لا تتناسب مع واقعية الموضوعات المفيدة.
هذا إذا كانت الأعمال ذات طابع سياسي أو تؤثر على النظام الحاكم، كعمل يتناول قضية هزت الرأي العام ومن الممكن أن تسبب أزمة في الدولة، ولكن هناك أعمال لا علاقة لها بهذا هي تخص بشكل أساسي عادات المجتمع وقيمه وأخلاقياته، ما ينادي به وينهي عنه، قضايا كالعنف أو البلطجة، التحرر أو الانفتاح، مهاجمة أو الاحتيال على أحد ثوابت الدين، وغيرها الكثير.
الأمر نفسه بالنسبة لبعض القضايا الدينية أو مثلاً الحوادث التي تتناول زنا المحارم ، أو قضايا القتل الشنيعة أو مشاهد الدم المبالغ فيها أو المشاهد الجنسية الصادمة ، وعلى العموم مجتمعنا أصبح حساس إتجاه أي نقاش فني فعال يتناول قضايا حساسة أو عيوب داخلية في المجتمع فيتعامل معها أغلب الوقت إنها محاولة لتشويه المجتمع والأسرة المصرية (الأمر نفسه ينطبق على معظم الدول العربية والإسلامية) وحتى في الغرب هناك أيضاً قضايا حساسة لديهم .. والرقابة هي السلاح السري للسلطة للهيمنة على الطريقة التي يفكر بها الشعب .
فيتعامل معها أغلب الوقت إنها محاولة لتشويه المجتمع والأسرة المصرية (الأمر نفسه ينطبق على معظم الدول العربية والإسلامية)
إذا لنقل أن جانب كبير من المشكلة يكمن في المجتمع نفسه الذي يقوم بكل أنواع الأخطاء ويرفض الاعتراف بذلك أو فضح ذلك من خلال الأعمال الفنية، فهي في النهاية تعكس ما يحدث في الواقع وإن كانت تقع أحيانا في مغالطة التعميم أو المبالغة ولكنها لا تختلق مشكلة من عدم. وعلى هذا الأساس طالما أنه لا تدعو أو تدعم ما يخالف أخلاقيات المجتمع فهي من حقها تسليط الضوء على أي قضية بالطريقة التي ترى أنها تعبر بأفضل شكل عن هذه القضية ولا مجال للمحاسبة.
هذا ما يبدو ظاهرياً ولكن الحقيقة أن الرقابة تلعب دور كمسكن للناس يبعدهم عن التفكير أو الفهم للقضايا الحساسة على سبيل المثال دوافع الجريمة التي يتسبب فيها جهل أو فقر أو إساءة استخدام للسلطة أو .. أو ... وتكتفي بظهور تلك الأعمال الجميلة اللطيفة التي تظهر مشاكل لطيفة وخفيفة مثل مشاكل الكمبوندات الفاخرة المنظر الجميلة الرائحة .. حيث كل شيء نظيف وكل شيء تمام فيما عادا قلوب البشر هي اللي مش تمام ........... هكذا هي مشاكل الدراما العربية .. وتعد أكثر الأعمال الصادمة هي مثلاً ظهور أعمال تتحدث عن سفاحين وجرائم قتل دموية شنيعة ولكن دون الغوص في تفاصيل نفسية معقدة أدت لتفاقم تلك المشاكل و وقوع كثير من الضحايا .... الرقابة تلعب السلطة الأبوية المتسلطة .
التعليقات