جميعنا نعلم أن الشخصيات في عالم السينما والدراما تنقسم ما بين أبطال وأشرار، محبين الخير والداعين للشر، ولكن قد لا يعرف الكثيرون بمفهوم الشخصيات الرمادية وهي الشخصيات التي تقف في المنتصف ما بين الخير والشر، بحيث يصعب تصنيفها أو الحكم عليها، وتجعل الجمهور في حيرة أمره ما بين أن يحب الشخصية أو يكرهها، أو تجعله أحيانًا يحب وأحيانًا يكره حسب الموقف، تجد مثلًا شخصية في مسلسل ما تورط أصدقائها في كارثة ما قد تدمر مستقبلهم لخلاف بسيط، ولكنها في اليوم التالي تنقذهم من الموت مغامرة بحياتها! ولأن هذه الشخصيات تكون مربكة للمشاهد تجذبه، وتصنع صدى أقوى قد يغطي على أبطال العمل أنفسهم، ولهذا أصبح هناك توجه كبير من صناع الأعمال لدمج والتركيز على هذه الشخصيات بكثرة، فكيف ترونها؟ أتجدون أنها واقعية بالفعل أم مجرد مبالغات من خيال السينما والدراما؟
ما رأيك في الشخصيات الرمادية في عالم السينما والدراما؟
أرى أنها تنجح لأنها واقعية وتؤثر لأنها قريبة من سيكولوجية السلوك العام، فنحن نميل ونتعلق ونألف ما يشبهنا في الطبع والمعيار والآلية ليس شرطاً أن يكون الشبه في الفعل فقط.
فأنا رمادي وكذلك أنتي وكذلك الجميع، وعن نفسي أؤمن أن طبيعة الأمر في الوسطية، فأن تطرف السلوك إلى الأسود فهو شر وأن تطرف إلى الأبيض فهو المحمود من الخير.
أنا مثلاً تسببت في بكاء أخي الصغير قبل أن أذهب للعمل اليوم بينما وأنا عائد اشتريت له لعبة كنت قد اتفقت عليها أمس، لو حكمنا من المشهد الأول فأنا قاسي ولو حكمنا من الثاني فأنا رحيم، أما لو نظرنا للحكم كلياً فأنا كباقي البشر لا طيب ولا شرير في المنتصف مثل الجميع
أنا أتفق معك يا اسلام، هذا هو تعريف الشخصيات الرمادية في الواقع، فكل إنسان بداخله الخير والشر ولكن بشكل معقول وموزون، أما ما يحدث في عالم السينما والدراما فهو تطرف مبالغ فيه في الناحيتين، حيث تجد الشخصية الرمادية فجأة تحولت لملاك ينقذ جميع الأبطال بعدما حاولت منذ فترة قليلة قتلهم جميعا، القتل هنا ليس شر عادي بل هو من أكبر درجات الشرور، والإنقاذ هنا ليس خير عادي بل من أعلى درجات الخير فقد يعرض الإنسان فيه حياته للخطر، والغريب هو تعاطف البعض مع مثل هذه الشخصيات رغم ما اقترفوه من أفعال! فكيف تفسر ذلك؟
نفسر ذلك بنفس الطريقة التي نتفاعل بها مع أنفسنا يا @rana_512 أنا ارتكبت إثم معين في هذه اللحظة ( لم أفعل ولكن على سبيل المثال) هنا نفسي ستلومني بأنني الوحيد القذر الذي يفعل ذلك فأكره نفسي وعندما أفعل خير أو استغفر ستعود تقنعني أنني طيب، هنا تكمن المبالغة في التقدير وكلما كانت على فعل مؤثر كانت أقوى تماماً كما يحدث عند التفاعل مع دور درامي ما.
هذا النظام الذي وضحته يسير في حالة الشخصيات الموزونة أو الأفعال المعقولة سواء في الخير أو الشر، ولكن الشخصيات الدرامية عندما تتطرف في الشر لا يجب أن يكون هناك سبيل للتعاطف معها لمجرد أنها فعلت شيء جيد وليس حتى على نفس مستوى الجرم الذي ارتكبته، هذا النوع من التعاطف الذي تسببه الأعمال الدرامية تؤدي لتشوه المفاهيم عند الناس وفساد ميزان أحكامهم على الأمور والأشخاص، من يتعاطف مع قاتل في عمل درامي قد يتعاطف معه في العالم الواقعي ويجد له المبررات والأعذار، وربما يجدها لنفسه كذلك فتكون ذريعته لارتكاب جريمة ما أو فعل غير أخلاقي.
توجه رائع وينم عن وعي سينمائي عظيم. هذا هو الواقع في الحقيقة.
لا يوجد شخص طيب بالكامل أو شرير 100%. هذا ما حاولت برامج الكارتون والأفلام القديمة بثه في عقولنا حتى صرنا نصنف الناس في الحياة الواقعية إلى صنفين تأثرًا بتلك الأعمال.
النفس البشرية خليط معقد. يمكن أن تغلب صفات الشر على صفات الخير أو العكس. هذا وارد، ولكن كل إنسان (حتى هتلر) كان لديه جانبًا إنسانيًا، وأبو جهل كان كافرًا، ولكنه كان صادقًا وصريحًا وواضحًا بالمناسبة.
لو كان هناك شخص طيب 100% أو شرير 100% فهذا إما سيُجن أو سينتحر.
قد يبدو مفهوم الشخصيات الرمادية في عالم السينما والدراما مماثل أو مفسر لأغلب شخصيات البشر بحيث يؤكد على أن الإنسان ليس طيبا كليا ولا شريرا كليا، ولكن مفهوم الخير نفسه والشر نفسه أو درجاته ليس واقعيا على الإطلاق، مثلما ذكرت في نقاشي مع @Eslam_salah1 الشخصيات الرمادية في عالم السينما والدراما متطرفة للغاية فيما تفعل سواء خير أو شر، وهو ما يجعلها بعيدة كل البعد عن تمثيل غالبية البشر ، ففي الواقع مثلا إذا اختلف معك شخص ما قد يتسبب في جرحك معنويا بحديثه ولكنه بالتأكيد لن يقتلك، ورغم أن كلاهما شر ولكن شتان الفارق بينهما، وهذا ما قصدته بالتطرف في أفعال الشخصية، وللأسف تأثير هذه الشخصيات يكون كبير لدرجة أنك قدر ترين الناس تتعاطف مع قاتل في العمل لمجرد أنه يعامل حبيبته مثلا بشكل لطيف، وتأثير ذلك قد يتجلى واقعيا عندما ترين قضايا حقيقية يدعم فيها الناس قاتل لأسباب أسخف من هذه!
بالعكس أرى أنها شديدة الواقعية فالعالم يمتلئ بالشخصيات الرمادية وقلة قليلة جداً ما يمكن أني يعبروا عن الخير المطلق كالأنبياء والأتقياء ، وتعبر عن الشر المطلق كالشياطين ، وهم قلة قليلة ليمثلوا الشاذ الذي يؤكد القاعدة بوجود الفئة الرمادية التي تمثل السواد الأعظم والتي هي أيضاً الكثير جداً من الدرجات يتأرجح الجميع بينها ، لذا تقديم الشخصيات الرمادية في الدراما هو أمر بديهي للغاية وقابل جداً للتصديق لأنه يمنح الشخصيات ببساطة الكثير من الواقعية.
الشخصيات الرمادية في عالم السينما أو الدراما لا تكون كالشخصيات الرمادية في الواقع فهي أكثر تطرفا واصطرابا، أنا مثلا أعتبر نفسي شخصية رمادية ولكن بتوازن وتعقل بين كلا المسارين، فأنا لست طيبة على الدوام ولا متسامحة ولا هادئة، ولكن بالتأكيد لا أبالغ في ردود أفعالي أو تصرفاتي للحد الذي قد يؤذي أحدهم جسديا أو معنويا بشكل جارح، وأعتقد أن أغلبنا كذلك مع اختلاف مفهومنا وتصنيفنا لما هو خير أو شر، ولكن الشخصية الرمادية الدرامية هي شخصية تكون في البداية شديدة التطرف في الشر، تقتل، تسرق، تخرب، ولكن لديها بعض القواعد الخيرة التي تجعل المشاهد في حيرة من أمره، فتجده يذكر الله مثلا! يعامل أهله بشكل جيد جدا، وفي لأصدقائه، لا يؤذي الأطفال، دائما ما يتركون له جانب جيد يعرفون أنه سيؤثر في المشاهد فور رؤيته، فقط لكسب التعاطف وهذا التعاطف له أثر سلبي كبير كما أشرت في تعليقي على @Diaa_albasir و @raghd_agaafar
أتفهم قصدك بخصوص كونك رمادية ، في الحقيقة كلنا رماديين ولكن بدرجات مختلفة ، ولكن بالنسبة لطرحك في الدرما في تلك الجزئية :
الشخصية الرمادية الدرامية هي شخصية تكون في البداية شديدة التطرف في الشر، تقتل، تسرق، تخرب، ولكن لديها بعض القواعد الخيرة التي تجعل المشاهد في حيرة من أمره، فتجده يذكر الله مثلا! يعامل أهله بشكل جيد جدا، وفي لأصدقائه، لا يؤذي الأطفال، دائما ما يتركون له جانب جيد يعرفون أنه سيؤثر في المشاهد فور رؤيته، فقط لكسب التعاطف وهذا التعاطف له أثر سلبي
فأنا أتفق معك بالنسبة للأثار السلبية بالأخص أن صناع الدراما يجد أغلبهم أن الشخصية الطيبة هي شخصية مملة ، رغم ما تحويه من إمكانيات هائلة حال تقديمها بشكل ذكي ولكننا أعتادنا الاستسهال والميل لتقديم الشخصيات الشريرة في قالب يتأرجح بين الشر والخير ، لكن المشكلة الحقيقية أنني عندما أقوم مثلاً ككاتب سيناريو أو كمخرج بتضمين شخصية شريرة يجب علي أن أعرف جيداً أنني يجب أن ألتزم ببوصلة أخلاقية تجعل الشرير بالنهاية (مكروه) أو في أقل الأحوال يرتكب (أفعال مكروهة ومرفوضة جذرياً) لكن عندما أضع دوماً مبررت للشرير لفعل شيء شرير ليحصل على قوة و سلطة ونفوذ، ثم أقوم بعدها بوصف جانب منه طيب .. فيحنها أنا لا أصنع شرير مكروه بل أصنع نموذج قدوة ليتبعه الناس ، وهو ما حدث مثلاً مع أعمال البلطجة التي أنتشرت في العقد الأخير .. حيث لا مكان للطيبيبن ولا وجود لهم إلا من خلال شخصية مهمشة تتبع القوي الشرير .
أنا برأيي أنهم يضيفون عمق وواقعية إلى القصص ولذلك أفضّلهم، يقدّمون حل ممتاز، بديل ممتاز للنماذج الأولية البسيطة للخير مقابل الشر، يعني جمالهم أنهم على عكس الأبطال أو الأشرار التقليديين، يمتلكون الفضائل والعيوب! ولذلك هم دائما يشكّلون هاجس لدى الناس ومحط للتساؤل عن قيمهم وإدراكاتهم الخاصة وهذا ممتع جداً أثناء المشاهدة، في أننا نكتشف أن الأخلاق ليست دائماً بالأبيض والأسود! وطبعاً بسبب عدم قدرتنا على توقعهم يزيد الأمر تشويقاً، هذا النمط من الشخصيات برأيي ما سبب ثورية مسلسل صراع العروش game of thrones في الأساس!
في أننا نكتشف أن الأخلاق ليست دائماً بالأبيض والأسود!
ولكن حتى الرمادي له درجات فهو إما يقترب من الأبيض كثيرا وفي هذه الحالة تكون الشخصية مقبولة وواقعية لحد كبير، أو يقترب للأسود كثيرا وفي هذه الحالة فلا يجب أن تلميع هذه الشخصيات بحيث نضعها في قالب من الإعجاب والشفقة لكسب تعاطف وحب الناس لها، الجمهور يتفاعل مع الشخصيات الدرامية بكل مشاعره كما لو كانت حقيقية لو أحب العمل، وبالتالي أي تعاطف مع شخصية متطرفة سيؤدي بدوره لزرع أفكار مغلوطة قد يطبقها الإنسان في حكمه أو في سلوكياته في الحياة الواقعية، ولهذا أنا أرى أن الضرر من هذه الشخصيات كبير جدا.
الشخصيات الرمادية تمثل تعقيدًا إنسانيًا يقترب أكثر من الواقع، حيث أن معظم الناس ليسوا أبطالًا مطلقين ولا أشرارًا كاملين، بل يمتلكون مزيجًا من الصفات الجيدة والسيئة. هذه الشخصيات تمنح الأعمال السينمائية والدرامية بُعدًا واقعيًا، إذ تُظهر التناقضات والتقلبات النفسية التي يمكن أن توجد داخل الإنسان.
تساؤل مهم يمكن طرحه هنا: "هل تعكس الشخصيات الرمادية طبيعة الإنسان المعقدة بصدق، أم أن الصناعة السينمائية تبالغ أحيانًا في تصويرها لأجل جذب المشاهد وجعله متعلّقًا بالعمل؟"
هل تعكس الشخصيات الرمادية طبيعة الإنسان المعقدة بصدق، أم أن الصناعة السينمائية تبالغ أحيانًا في تصويرها لأجل جذب المشاهد وجعله متعلّقًا بالعمل؟"
هذا ما كنت أتناقش به مع الزملاء في التعليقات وأتمنى أن أعرف وجهة نظرك الخاصة فيه، فأنا أرى أن السينما تبالغ وبقوة في رسم الشخصيات الرمادية فتجعلها بعيدة كل البعد عن الشخصيات الرمادية في الواقع وعن طبيعة البشر بشكل عام، فهناك نماذج يتم تقديمها مثلا كقاتل متسلسل لا يعرف الرحمة وضحاياه بالعشرات ولكنه على استعداد ليضحي بحياته من أجل شخص ما ظهر في حياته فجأة! وقيسي على هذا قصص كثيرة، هذا أيضا ما خلق لدي الكثير توقعات غير حقيقية حول الكثير من الأشياء، كعلاقات الحب، فلدينا مئات الأعمال التي تقدم نموذج البطل الطالح في كل شيء ولكنه يتغير بفعل الحب فظهرت لدينا متلازمة " أنا استطيع إصلاحه!"
التعليقات