مع التغيرات التي تشهدها صناعة السينما وزيادة الإنتاج في الآونة الأخيرة، ما الذي تفتقده السينما العربية برأيك؟
برأيك، ما الذي تفتقده السينما العربية؟
احترام عقل الجمهور هذا ما تفتقده السينما العربية، فهي تعامل الجمهور كشخص ساذج يمكنه أن يقبل أي شيء، من أفلام فكرتها مقتبسة أو مسروقة من أعمال أجنبية، أو ركاكة في السيناريو والأفكار وتناولها، فكل شيء يتم بصورة كارتونية، ناهيك عن مشكلة كتابة السيناريو التي لا نرى تقدما فيها ونادرا ما نجد سيناريو فيلم مكتوب بطريقة جيدة، فنحن لا ينقصنا المعدات والآلات الفنية ولا القدرة التمثيلية والمواهب ولكن حقا ما ينقصنا كتابة بشكل جيد وأفكار تحترم عقلية المشاهد.
أتفق. لماذا لا نرى قصصا مثيرة للاهتمام أو ذات طابع غموض، ويكون السيناريو محبوكا؟
معظم الأفلام تحس القصة ضعيفة جدا، ومليئة بالفجوات، ولا تثير لدى الجمهور التساؤلات، ولا تجعله يفكر في قضية من القضايا مثلا. هناك أفكار كثيرة جدا أتمنى رؤيتها مثلا في سياق فيلم عربي، والتراث العربي نفسه ملئ بقصص غاية في الروعة، والإتقان، ومليئة بالخيال والإبداع. لكن نجدهم يبحثون عن أكثر الأشياء ابتذالا، وأسخف المواضيع، ويصنعون عنها أفلام لا تمت للواقع بصلة حتى، ولا يحس المشاهد بأي ترابط أو تعاطف أو إعجاب أو فضول تجاه أي من الشخصيات.
مشكلة الكتابة ليس مشكلة عدم وجود سيناريو قوي بل مشكلة إنتاج، حيث يلجأ المنتج لمواضيع متكررة خوفاً من المغامرة في مواضيع جديدة، فمثلاً من خبرتي في هذا المجال، أعرف كُتاب سينمائيين لديهم أفكار جديدة ومواضيع تثير العقل وتحترم عقلية المشاهد وبالرغم من ذلك يواجهون رفضاً من المنتجين بسبب خوفهم من المغامرة، لذلك أعتقد من المهم كسر حاجز الخوف لدى المنتجين.
أن نتجه قليلًا إلى الخيال وننظر للمستقبل ونتوقعه ونساهم لمرة في تشكيله أو التوجيه نحوه. أما الحاضر فمواقع التواصل وصناع المحتوى كفيلين به.
فمثلًا، بدلًا من أن نركز على عرض السلبيات في المجتمع في إطار قصة معاصرة، فلنعمل على رؤية تبين لنا تبعات هذه السلبيات على أوطاننا وكوكبنا مستقبلًا، فنكون قد أشرنا لها وفي ذات الوقت حذرنا منها بطريقة مبتكرة بعض الشيء.
لا يمكننا أن نختصر الحاضر في مواقع التواصل الإجتماعي فقط، فمواقع التواصل الاجتماعي تميل إلى عرض لحظات مختارة بعناية مما لا يعكس الواقع بكامل تفاصيله وتعقيداته، كما أن صناع المحتوى لن يتمكنوا من تحليل الموقف بعناية و تحليل دوافع الشخصيات النفسية كما يفعل الكاتب، لذا أرى من المهم أن نعتني بالحاضر أيضاٌ.
إلا ترى من المهم أن نطرح السلبيات الحالية كي نسلط الضوء عليها لنقوم بحل تلك المشكلة؟ أعتقد أن غرض السينما من عرض السلبيات الحالية هي النظر إليها بتمعن كي لا نكررها في المستقبل.
أنا أجيب على التساؤل بخصوص صناعة السينما، لا الأدب الذي قلما يتحول إلى أعمال فنية. والآراء كثيرة اليوم عن أن الأعمال الفنية باتت تسلط الضوء على السلبيات وتهمل جانب حلها أو تختصره كثيرًا، مما يساهم في نشرها أكثر، وهي أيضًا تفعل كما ذكرتِ عن مواقع التواصل الاجتماعي؛ فتميل إلى عرض لحظات مختارة بعناية مما لا يعكس الواقع بكامل تفاصيله وتعقيداته. على عكس الكتب بالفعل.
لكن ألا ترين أننا متخلفين عن العالم في طرح الرؤى والتوقعات المستقبلية؟
أجل للأسف السينما العربية تخاف من الخيال، بالرغم أنني أرى أننا في عصر فيه الجمهور يحب أن يثار خياله و يحب مشاهدة الأفلام التي تطرح رؤية للمستقبل، في الآونة الأخيرة تم إنتاج أفلام فنتازيا قليلة جدا وتحتاج للتطوير لكن هذا في حد ذاته تقدم، أتمنى أن يكسر المنتجين حاجز الخوف من هذه النوعية من الأفلام لأنها ستكون تحول في السينما العربية.
الكوميديا المصرية يا مصطفى من أجمل أشكال الفن. المشكلة الحقيقية في من يقدمونها من نجوع مسرح مصر وغيرهم من الفنانين المبتذلين.
ليس التوقف عن الكوميديا بشكل عام بل توقف هذا النوع الدارج في الكوميديا، فالكوميديا الحالية تعتمد على بعض الجمل أو التنمر على الآخرين مثل الأفلام التجارية التي نشاهدها اليوم، عكس الكوميديا الحقيقية التي تبنى على الأحداث أو مشاكل أجتماعية مثل أفلام أسماعيل يس التي تناولت العديد من القضايا الاجتماعية وسلطت الضوء على المشاكل اليومية، فالكوميديا مهمة جدا وتأثيرها أقوى على الجمهور، لذلك يجب علينا أن نحاول تحسينها وليس منعها تماماً.
السينيما العربية تفتقد للسينيما يا سارة.
فلنتوقف عن إنتاج الأفلام التجارية والأفلام المقلدة من هوليوود.
هناك حقبة مرت فيه السينما بأسمى لحظات الجمال حين كان المشاهد هو من يلاحق المخرج والكاتب ويستمد اتجاهه الفني منه، ولذلك كان باب الحرية أوسع بكثير من اللحظة، حين كان ينتظر المشاهد ما الترند الجديد الذي سيطلقه هذا الفنان أو الكاتب أو المخرج ويتماهى مع هذه الأعمال، اليوم الحالة تقريباً بالعكس تماماً، اليوم بفضل المنتجين وخوفهم من التجديد صاروا يفرضون على الفنانين أن يصنعوا أمور مضمونة النجاح وما الذي هو أضمن نجاحاً؟ هو أن يلاحق الفنان هو الترندات وهذا الأمر هو ما ورثنا كل المشاكل الفنية للصراحة التي نعاني منها.
الآداب المجتمعية، تفتقد السينما للتعبير عن تلك الآداب، والتي تسببت هي نفسها بتهميشها، فلم يعد لها دور سوى التركيز على كل ما هو سلبي بالمجتمع وتضخيمه وتبريره ووضعة في صورة يتعاطف معها المجتمع، مما أنشأ جيلًا بعيدًا عن فهم سلوكيات وآداب المجتمع الحقيقية.
إلا ترين أن السينما ليس دورها في الأساس دور توعوياً أو تربوياً؟ أختلف معكِ قليلاً، لا يمكننا تحميل السينما مسؤولية نشأة جيل بعيد عن السلوكيات والآداب المجتمعية لأن السينما في النهاية وسيلة ترفيهية وليست تعليمية، منذ بداياتها كانت السينما تهدف إلى توثيق الحالة ثم تطورت لتصل إلى صورتها الحالية، فالغرض الأساسي للسينما هو طرح الأفكار، عرض الحالات، مناقشة الأحداث، أو حتى توثيق الوقائع كما في الأفلام التاريخية أو السير الذاتية، فالسينما هي فن يعبر عن الحياة بكل جوانبها، الجمال والقبح، الفرح والحزن، كما تمنحنا تجارب ومعارف قد لا نتمكن من الوصول إليها في حياتنا اليومية، لذا يجب علينا أن ننظر إلى السينما كمرآة تعكس واقعنا وتدعونا للتفكير والنقاش، نحن الآن في عالم متطور يمكن أن نرى على الأنترنت سلوكيات أسوأ مما تعرض في الأفلام، لذا الثقافة والتربية والتعليم هي أداة لفهم وتعلم سلوكيات وآداب المجتمع، ليس السينما.
التعليقات