عندما يسألُ طالبًا أسئلة مملة في المُحاضرة، تتوجَّه له الأنظار بالنقد واللوم، أنا أفهم هذا، كنتُ في كلا الفريقين. تارة أسأل، وتارة أسبُّ الذي يسأل.

لكنّي أحيانًا أضحِّي بنفسي لأجل الطلبة. أسأل المُحاضر سؤالًا، ولا يكون لغرض الفهم بالدرجة الأساس، إنما للسيطرة على عقل الأستاذ!

أي نعم! أنا أستعمل حيل نفسية قبيحة، لغرض مصالحي الشخصية. سأخبركم بقصِّتي الخبيثة بالتفصيل.

في يوم من الأيِّام، كنّا في محاضرة، ونعلم أنّنا سنُختبرُ فيها في نهايتها، بامتحان يُدعى "كوز" يجرى بصورة شبه يومية يقيس انتباه الطلاب وفيه درجات تثبَّت في السعي.

قلتُ لصديقي يومها: ترقَّب ما سأفعل! ابتدعتُ سؤالًا عن موضوع كان موجودًا في المحاضرة، سألتُه للمحاضر بكلِّ جدية وتصنّعتُ الاصغاء للجواب بكل أدب.

بعد أن انتهيت، قلتُ لصديقي: ركِّز على هذا الموضوع، سيأتي اليوم في الامتحان! ثمَّ ابتسمتُ بخبث: لقد زرعته في عقل المُحاضر!

فكرتي الأساسية كانت أنِّي عندما أسأله عن الموضوع، سأزيد من فرص وجود الموضوع على بال المُحاضر حين يضع سؤال الامتحان. ولهذا شروط، يجب أن تسأل عن شيء عام وشائع، لا في تفصيلة دقيقة، ويجب أن تكون محظوظًا إذا لم يتقرّر سؤال الامتحان بعد.

في كتاب Pre-Suasion تحدَّث روبرت تشالديني عن هذا التأثير، والذي يُدعى بالـ Priming او إعداد الناس لتصرّفات معيِّنة بالحديث عن أمور قريبة منها.

فمثلًا تحدّث عن نماذج ناجحة لمحلّات تبيع الكنبات والأسرِّة، وتستخدم في محلّها صورًا للغيوم والسحاب، الأمر الذي يدفع المشتري للتفكير بالراحة.

أو أولئك الذين يبيعون الخمر الفرنسي، يشغّلون في محلّاتهم أغاني فرنسية، هذا يجعل المشتري يفكّر بفرنسا وكلّ ما يتعلّق بها، من ضمنها الزجاجة التي أمامه والمصنّعة في باريس!

أو أولئك الناس الذين يطلبون منهم المساعدة للتطوِّع في موضوع ما، يسألونهم بداية عن رأيهم في المساعدة؟ وكم يقيّمون أنفسهم كأناس يُعينون غيرهم؟

صديقي قرّر أن يطبِّق هذا الأمر اليوم، قال لي لقد سألت الدكتور صباحًا عن موضوع في طبّ العيون يُدعى Congential Nasolacrimal duct obstruction وقال لي: جرّبتُ نظريتك، لنرى مدى صمودها؟

بعد ساعة، كان سؤال الامتحان عن حالة طبيِّة بنفس الحالة المرضية.