أدرس في كلّية الطب، وهي من الكلّيات المتطلّبة دراسيًا، تحتاج أن تضع عددًا من الساعات المعتبرة في الدراسة كلّ أسبوع، في هذا لتحصل على المعلومات الأساسية، أمّا الباقي فتحتاج إلى تجربة وتدريب وتمرّس عملي في المستشفى.

حينما تدرس في المدرسة أو الجامعة، وتتراكم عليك المواد التي لم تستطع دراستها في وقتها المثالي، تشعر بالهلع والفزع، ويكون الأمر مصدرًا مستمرًا للقلق.

أنا أدرس منذ فترة طويلة، لا أكاد أعرف شيئًا في حياتي بقدر معرفتي للدراسة، وبقدر فهمي لطريقة تغيِّر أحوالها من حال إلى حال. أشعرُ أحيانًا بمثل شعور اللاعب المخضرم، والذي يستطيع أن يدرِّب بعد اعتزاله حتّى من دون خبرات تدريبية، وذلك لأنّه تعلّم كثيرًا عن اللعبة وخططها أثناء مسيرته.

من الأمور التي تعلّمتها عن الدراسة الجامعية، هي أنّ الأمور تتغيَّر بسرعة.

قد تكون اليوم بأسفل سافلين، تغرق في بحر المقرّرات، وتأتي بعد يومين وأنت في عِلّيين، تشعر أنّك سيطرت على المقرّر. أكيد بعد وضع جهد مناسب على المادّة المناسبة.

الحال الدراسي يتغيّر بسرعة، تبعًا لظروف عديدة، أهمّها عدد الساعات التي تضعها في المادة، اكتشافك لفيديو جيِّد يشرح المادة، نومك بشكل كافي قبل فترة، عدم وجود أحداث حياتية تعيقك عن الدراسة.

أنت لا تستطيع أن تتحكّم بكل متغيِّر، لكن أن تضع على بالك حين تكون محبطًا أنّ الحال قد يتصلَّح سريعًا، هو أفضل جرعة أمل يمكن أن تتعاطاها في تلك الأحوال.

ولكن هل توجد هناك جرعة مخدرات بدلًا من جرعة الأمل؟ نعم...

قلنا أنّك تتحوَّل من سافلين إلى علّيين إذا وضعتَ جهدًا مناسبًا على المادة، وعادة تشعرُ أنّك تحتاج لوضع هذا الجهد حين تتحفّز للدراسة، وتشعر أنّ أمامك شيء صعب ل.م يُ9معا9ننجز بعد.ِِّ

الى لمخدّرات تجعل "هذا الشعور يختفي، تجعلك أقل دراسة، أقل تحفّزًا لوضع الساعات عليها.

لا أقصد بالضرورة المخدّرات الرقمية، تلك التي تجعلك تقضي ساعات وساعات على مواقع التواصل الاجتماعي والمسلسلات والألعاب، هذا جزء كبير من المعادلة، لكن هناك أجزاء أخرى قد لا ننتبه لها.

حينما تقرّر أن لا تدخل إلى محاضرة صعبة، فأنت تتعاطى المخدرات. حتّى لو كان الشارح سيئًا، أو المادة لا تستساغ. حين لا تدخل المحاضرة، فأنت لن تتململ، تتشكّى او تنوح في ذهنك عن صعوبة المادّة خلال المحاضرة. هذا يدفعك بطريقة أو بأخرى لأن تتذكّر أن عليك فرضًا صعبًا وهمًا ثقيلًا تحتاج لإنجازه، هذا التذكّر يجعلك أقرب لدراسة المحاضرة في وقت قريب.

نأخذ أكثر من 200 محاضرة نظرية كلّ سنة في كلّية الطب، وأنا أجزم لك أنِّي لم أقرأ تلك المواد التي لم أدخل محاضراتها إلّا في الأيام الأخيرة قبل الامتحان.

هناك محاضرة عن تشريح الرحم والمبايض دخلتها قبل أسابيع، ولم أفهم منها شيئًا، حتّى الآن أفكِّر بها حتّى وإن لم أدرسها، لكنِّي لا أستطيع التفكير بموضوع المحاضرة التي لم أدخلها، ولم أعاني وأنوح خلال دقائق محاضراتها.

الأمر الثاني الذي أعدّه من المخدّرات، ثقافة "الميمز" التي تنتشر في وسائل التواصل، خصوصًا عن صعوبة المواد، دائمًا هناك نكتة عن صعوبة المادة، وعدم فهمنا للمحاضرة المعاناة مع قليل من خفّة الدم مضحكة للغاية، لكن هذا الضحك يحوِّل المعاناة إلى نوع تفكير قبيل "حشر مع الناس عيد" والذي يتركك أقل رغبة في تصليح المعاناة، لأنّ الناس كلّهم يعانون.