بسم الله الرحمن الرحيم

الحزن

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

إن مسحة من الحزن قد تبدو أحياناً جذّابة مع البعض وقد تُثير فضول الآخرين، وقد تظلل صاحبها أحياناً بمسحة من الغموض، وشيء من الجمال والرزانة. ولكن طغيان الحزن أو زيادته عن الحدّ المعقول قد يكون مؤذياً وضار بصاحبه، وقد تؤدي استمراريته وطول بقائه إلى الاكتئاب، الذي قد يجعل أحياناً من الظهيرة المشمسة ليلاً قاتم السواد، ويجعل أحياناً من الأفراح أتراح.

فللمرء إن شعر بأن حزنه بدأ يزيد أو استمر لفترة أطول من المعتاد، أن يبدأ بالتفكير أحياناً في أمور إيجابية وله أن يترك أحياناً التفكير في الأمور السلبية، لألّى يزيد من حزنه. وإن كان المرء يمرّ بأوقات صعبة يتبعها مشاعر الحزن والكآبة والضيق، فله أن يعود إلى الله سبحانه وتعالى قال تعالى: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124))). [طه:124].  فإن استمرت الأوقات الصعبة والهموم، فله أن يفعل شيء طيّبٌ يسلّيه ويُبعده عن التفكير في همومه، فإن ظلّت همومه كما هي أو لم تزول بالكامل ولازالت تؤرّقه أو لازالت تثقل على صدره، فله أن يُشغِل نفسه بأمر طيّبٌ ونافع كأن يقرأ أحياناً في مجال طيّبٌ يهويه، خاصّة إذا كان في مجال تخصّصه، فإن لم يكن لديه الكتب الكافية لهذا المجال الحسَن والطيّب، فله أن يذهب في رحلة قصيرة إلى المكتبة ويشتري بعض الكتب في ذلك المجال، وينشغل بقراءة تلك الكتب، وعندما يجد نفسه قد قرأ عدّة كتب في مجاله، وأضاف إلى معلوماته السابقة معلومات جديدة، وبدأ يشعر وكأنّه تعمّق في مجاله أكثر من قبل، فله أن ينفع الآخرين بالعلم الذي لديه، فيختار بعض المواضيع ويكتب عنها مقالاً أو عدّة مقالات وينشرها في الإنترنت، ليستفيدوا منها الناس، فقد يشجّعه ذلك على مواصلة التعمّق في مجاله ومواصلة كتابته للمواضيع أو المقالات.

أما إن كان مجال تخصّصه صعب ولا يكاد يفهمه سوى المتخصصين فيه، فله أن يستهدف الجمهور المهتم بهذا المجال، ويستهدف المبتدئين والطلاب في هذا المجال، فقد تكون مقالاته إضافة عظيمة للطلاب والمبتدئين، ليقرأوا ويطّلعوا على شروحاته بالإضافة إلى دروسهم وشروحات أساتذتهم.

فإن بقي الهمّ والضيق يعود إلى المرء رغم ذلك، فله أن يبدأ بتخصيص بعض الوقت للقراءة في بعض المجالات المختلفة والنافعة، ثم قد يمكنه كتابة بعض المقالات عما قرأه وتعلّمه في الكتب، وينشرها في الإنترنت، لينفع بها الآخرين، ويُشغل بها نفسه عن همومه.

فإن لم ينفع ذلك أو بقي لديه بعض الحزن الذي يودّ أن يتخلّص منه، فله أن يقابل أحياناً بعض أصدقائه الملازمين له ويشرح صدره بالجلوس والحديث معهم، فقد يجد بعدها أن ما بقي من همّه بدأ يزول ويتلاشى، وإن بقي شيء من حزنه، ولازال يطيل التفكير بالمصاعب التي هو فيها، فله أن يحاول اختيار هواية طيّبة يقضي فيها وقته، لتُدخل السرور إلى قلبه. ولا بأس إن قام بتغيير هواياته فله أن يبحث عن الهواية الطيّبة والحسَنة التي يرتضيها لنفسه ليمارسها لأطول فترة ممكنة، ليشتّت بها أفكاره السلبية.

أما إن كان المرء ليس لديه أصدقاء يجلس معهم، فله أن يُصادق الكتب المختلفة ويُبحر في عوالمها، وإن شعر بالحزن أو الوحدة، ولم يحب أن يبقى وحيداً، فله أن يذهب أحياناً إلى بيت عائلته، وإن كان لمجرّد شرب القهوة أو تناول طعام العشاء، ليرى عائلته ويُبدّد الشعور بالوحدة، ويحصل على مُنشّط وبعض الطاقة، فقد يجد أن هذه الجلسة مع عائلته كفيلة بأن تعطيه من الطاقة التي تمكّنه من العودة إلى وحدته، دون أن يشعر بالحزن أو الضيق. وإن شاء فله أن يلتحق بأي معهد علمي ليدرس فيه أي تخصص طيّب يريده، ليس لحاجته إلى هذا التخصّص، بل ليتعرّف على زملائه في الدورات، ويُنشئ صداقات معهم، فيُصبح لديه مجموعة من الأصدقاء، يمكنه أن يقابلهم خارج المعهد ليخرجوا في رحلات أو للتمشية والتسامر.

وفي الختام، إذا كان المرء يشعر بالوحدة أو الحزن، فليس عليه أن يُجبر نفسه على البقاء وحيداً إن كان لا يريد ذلك، فله أن يحتال لنفسه حِيْل طيّبة قدر ما يريد ليحصل على بعض الرفقة، فله أن يُنشئ الصداقات بالالتحاق بالمعاهد، والتعرّف على أشخاص جدد حتى إذا كانت علاقاته مع زملائه لا تتعدّى الفصل أو المعهد، ولكنه قد يجد بعض التسلية والمتعة في التحدّث معهم في الفصل أو في المعهد، وقد يقوم بالاتفاق معهم على التسجيل في دورات أخرى بعد ذلك، لتستمر متعة الدراسة معهم، فيُصبح التعلّم وسيلة له لقضاء الأوقات الممتعة والطيّبة... هذا والله أعلم.