لقبت في حياتي بالكثير من الألقاب السيئة والجيدة لكن أكثر الألقاب قربا إلى قلبي كان لقب الفاشل

ولا أقصد هنا أني أحب الاستسلام

لكني أحب فكرة إمكانية إعادة المحاولة

فالفشل ليس فقدان الرغبة في التحقيق فهذا اليأس

إنما الفشل هو عدم القدرة على الوصول بالمعطيات الحالية 

وذلك لأن النجاح والتميز شيء مكبل

يعني أنه إذا أبرز أحد ما بعضاً من التميز في مجال معين يتم حصره نفسياً في هذا المجال وتجاهل كل محاولاته الثانوية لتعلم أو تطوير أي مهارة أخرى وسيتم تجاهل كل محاولاته وإعادة توجيه لنقطة تميزه

ومثال ذلك:

ما يحدث مع الطلاب في السنة الأخيرة من مراحل الدراسة المدرسية

الثانوية العامة أو التوجيهية كما يسميها البعض

فالطالب المتفوق الحاصل على أعلى الدرجات في السنوات السابقة يُنتظر منه مستوى أعلى مما كان عليه رغم صعوبة الدراسة في تلك السنة

ويتم عزله عن كل شيء يحبه أو يرغب فيه إلى حين تحقيق الدرجة المرغوب فيها

فغير مسموح له بتجربة العزف أو تعلم السباحة بل أحيانا لا يسمح له بالخروج من البيت في الشهور الأخيرة قبل الامتحان

في حين أن الطالب الفاشل أو المتوسط لا يتوقع منه أبويه أن ينجح في الدراسة في تلك السنة من الأساس

ويتركونه يفعل ما يحلو له مخططين للبحث له عن وظيفة محلية أو متقنين من إلتحاقه بالخدمة العسكرية في نهاية المطاف على حسب الدولة التي يعيش فيها 

فإن كان الطالب في هذه الحالة من الفئة التي أتحدث عنها وهم الفاشلون الأحرار فسيفاجئ أهله بالنجاح في العام وسيكون مجرد نجاحه فرحة عارمة لكل الأسرة مهما كانت الدرجة لأنه أخذ كل حيرته في تجربة كل أنماط الدراسة وتطوير المهارات النفسية والعملية والمجتمعية التي تؤهله لتخطي تلك السنة بسهولة لكن وبما أن الامتحانات ليست من أولوياته فهو لا يهتم إلا بما يراه مناسبا له وأهله ومجتمعه يعينه على ذلك من خلال فقد الأمل فيه

أما المتفوق الذي وفرت له كل أسباب النجاح فنزوله عن النتيجة المثالية درجة واحدة قد يجعل البيت كله في حالة حزن رغم أن ابنهم حقق النجاح الساحق الذي كانوا يريدونه لكنه لم يستطع أن يكون الأنجح بين أقرانه

فقد اعتادوا منه على النجاح والتميز فلم يعد يقبل منه مجرد النجاح

وهنا الفرق

فالناجح تحصىره توقعات المجتمع فيما نجح فيه بل ويطلب منه أن يتفوق على نفسه في كل مرة

عكس الفاشل الذي لا يتوقع أحد منه أن يفلح ولو مرة وهذا هو مفتاح حريته

فهو من حقه أن يجرب ويتعلم ويطور من نفسه في أي مجال يحبه دون أي قيود أو ضغوط من المجتمع

وهذا ما يعطيه ما اسميه حرية الإنسحاب

في مثالنا الخاص بالطلاب إن قام الطالب الفاشل برفض إكمال تعليمه والرغبة في ممارسة حرفة محلية فلن يجد مقاومة شديدة لقراره لانه في الأساس يعتبر استثمار خاسر بالنسبة لأسرته وطالما أنه يمكن أن يتعلم تلك الحرفة بمنتهى السهولة ويجلب منها المال والدخل للبيت فسيكون هذا أفضل من صرف النقود على تعليمه بدون طائل بالنسبة لأسرته خاصة إذا كانت تستدين لتكمل مصاريف تعليمه

أما في حالة الطالب المتفوق فمجرد التمعر والتبرم من الدراسة يعرضه لمحاضرة عن أهمية الدراسة بالنسبة له وعن تاريخه الحافل المليء بالدرجات العالية الذي سينهار 

ورغم أن إحساس التقدم في شيء ما احساس رائع إلا أن قيد عدم القدرة على الإنسحاب أو المخاطرة يعرضنا لضغط نفسي شديد ويجعل من المضي قدما فيما تميزنا فيه مسألة مرهقة ومؤلمة نفسيا

ولذلك قد علمنا الله تبارك وتعالى أهمية الإيمان باسمه الرزاق وأنه لا يوجد من يتحكم في الرزق إلا الله وطالما أنك تسعى فسوف تصل

لكن المجتمع يجعلنا نتصور أننا سنغرق إن غادرنا القارب الذي بنيناه بأيدينا رغم أنه في كثير من الأحيان لا تكون العودة صعبة لأن المياة ما تزال ضحلة ولم نكن قد اقتربنا حتى من المحيط

وهذا على عكس الفاشل الذي يمكنه بناء ألف قارب وهدمهم واستكشاف ألف جزيرة والعودة دون أن يضطر لعيش بقية حياته في سفينته

نحن نتعلم لنتطور وليس لتنقولب

كان علماء الأزمنة الماضية يتخصصون في علوم ومجالات هي الآن بعيدة كل البعد عن بعضها اليوم

فنرى من كان منهم طبيبا فيلسوفا فقيها وكميائيا وباحثا ومفكرا معا

صحيح أن هذا صعب التحقيق الآن

لكني أقصد هنا أن المجتمع الحديث ينحت الناجحين حتى يستنزفهم ولكنه يترك الفاشلين أحرارً.