لا يخفي على إنسان أن الماسونية لم تكتسب سمعتها تلك إلا في العقود الماضية، وقبل ذلك كانت تُعامل كحركة إصلاحية في أغلب دول العالم، ما جعل أحمد زكي أبو شادي أحد رواد مدرسة أبوللو الرومانتيكية ينضم لها وخطبته هذه بعنوان "روح الماسونية وآمال الإنسانية" في محفل البدر المنير ببورسعيد -إحدى محافظات مصر- عام ١٩٢٦ من الميلاد ضمن الاحتفال بالعيد الماسوني المصري تشهد على ذلك، وهنا سنحاول تلخيص وجهة نظر أبو شادي في الماسونية من خطبته هذه، ربما نقف على جزء من الحقيقة.

1- يعترف أبو شادي بوجود مفهومات خاطئة عن الماسونية وانتهازيتها منتشرة بين بعض الناس نتيجة محافل مزيفة، ويرى الحل أن يقرأوا تاريخ الماسونية، وأحال لكتابات منها العربي ككتابات جرجي زيدان.

2- يرى هدف الرومانسية مادي ومعنوي، مادي يتمثل في بناء الحضارة وهو المعروف، ومعنوي يتمثل في الأدب والفكر ويسوق الدلائل على هذا الإتجاه

3- هنالك محفل آخر باسم "المحفل الأكبر الوطني المصري، ويرى أن الماسونية لا تتعارض مع الدين، حيث بدأ كلامه ب" باسم المهندس الأعظم" وهو الله

4- يستطرد في منشأ الماسونية الذي يراه في نصر الفرعونية بداية من "أزمة الكهانة المصرية" ثم انتقلت إلى الإسرائيليين حتى القرن السابع عشر، فما قبله يعتبره "ماسونية عملية" حيث لم تكن الجماعة باسمها ولا تنظيمها المعروف حاليًا وقد يمكن أن نقول أنها "أبوية روحية" في مقابل الماسونية المنظمة حاليًا.

5- يرى وجودها في التاريخ الإسلامي وأنها سبب العمران المادي مثل قصر الحمراء والتاريخ المسيحي والوثني والثوري لأوروبا، وهنا نلاحظ أنه يأخذ بالهدف المادي للماسونية ولم يذكر شيئًا عن الهدف المعنوي الذي ادعاه.

6- هم المسؤولون عن نشأة جمعية الأمم أو عصبة الأمم -السابقة لمنظمة الأمم المتحدة- بهدف تحرير الإنسان من القيود المادية والفكرية، وهم من أنشأوا جامع أيا صوفيا، وابن طولون بمصر، وقد يساعدنا ذلك في فهم أكبر لفكرهم عن أصولهم، فكما وضحنا أنهم يتتبرون كل نجاح سابق قبل نشأتهم "ماسونية عملية" ينتمون لها روحيًا وينسبونها لأنفسهم، فوالله هي تبدو لي أشبه بالمعتقدات الدينية.

  • الماسونية بها مراتب، وقد أخذ أبو شادي مرتبة "المنبه الأول" والذي يرى أننا في عصر "الماسونية الرمزية" وبالتالي ينتقل هدفها من العمران المادي للمعنوي، ببناء الأفكار والأخلاق والقيم والماساواة ونشر العلم مما يعطيه اسم روح الماسونية

7- الماسونية منظمة سرية، الهدف من سريتها حسن اختيار الأعضاء وتعترف برموز ونظام درجات، وترى جذورها في جمعيات -تخيلية غالبًا- مثل ايزيس السرية وهيكل سليمان يجمع بينها السرية والتقاليد التي يعترف أبو شادي باستغراب الناس ويتمنى منهم العكس

8- هنالك قانون أو دستور ماسوني، يفرق بين ماسونية زرقاء -يراها الأصل وامتداد للماسونية العملية- وماسونية بيضاء وسوداء وحمراء -ينكرها جميعًا-، ومراتب الماسونية ثلاث: تلميذ، رفيق وأستاذ، وهي المراتب التي يأخذ بها المحفل المصري، والعمل يكون للعمل لا للسعي للمراتب.

9- من لم يحب وطنه لم يحب الدولة الماسونية الكبرى وهي رابطة فكرية عالمية لا دولة مادية، يرى أن تتحد تحت لوائها الإنسانية جمعاء وما يمنع ذلك إلا شهوات الناس -والله لا أرى هذا إلا دينًا، وسكانها -حسب ادعائه- ثلاثون مليونًا

10- وسائل الماسونية عديدة، منها أنها تضم علية القوم ويرى أبو شادي أنها يجب أن تضم الطبقة الوسطى المستنيرة، ومنها المال وهو ما يبدو أنه الشائع لأنه يهاجمه، ومنه الفكر وهو النادر والذي كان يشجعه.

11- ينسب أبو شادي الكثيرين للماسونية، منهم الخديويين إسماعيل وتوفيق وعباس، والأمير عبد القادر الجزائري، والامام محمد عبده الذي ضمنه في محفل الأهرام في سرده لتاريخ الماسونية المصرية بعد نابليون ومحفله الذي نسبه لإيزيس.

12- يدرج الخديو توفيق رئيسًا أعظم للمحفل الأكبر الوطني المصري في القاهرة فترة من الزمان، وهو نتيجة توحيد للمحافل المصرية بعد انشقاقها الأول ثم انشقت عام ١٩٢١ من جديد

دستور الماسونية

المادة الأولى: الماسونية أي البناية الحرة المسماة بالفن الملوكي، عشيرة أدبية لها رموز خاصة توضحها روايات مجازية، غرضها البحث وراء الحقيقة والأحاسن ودرسها، والسعي في نشرها، والاعجاب بالجمال، وممارسة الفضيلة

من المادة الثالثة: من أصول عشيرتنا الأدبية عدم التعصب للأديان، واحترام سائر المذاهب المعروفة، أما شعارها فهو: الحرية والاخاء والمساواة.

من المادة الرابعة: للعشيرة طرش شتى لا تختلف إلا من حيث الشكل واحدة في الجوهر، وأصولها واحدة وغرضها واحد.

من المادة التاسعة: لا تتعرض العشيرة في اجتماعاتها للمباحث الدينية ولا تخوض في المباحث السياسية

المادة العاشرة تنص على ضرورة الاعتقاد بوجود إله والإيمان بخلود النفس


وتنتهي المخطوطة بين يدي بوصايا ماسونية قديمة وحديثة وجزء من قصيدة أبو شادي، من المثير فيها الإيمان بأزلية النفس -حكمة قديمة- وطاعة السلطة -حكمة حديثة، ثم الدستور الماسوني العصري ومنه "ألا تدخل في المؤامرات" والابتعاد عن الدين والسياسة، ثم فصل عن أمثلة ماسونية عن التضامن الاجتماعي بين الماسون، والعفو عند المقدرة، والماسونية التي تجمع أكثر الأعداء عداوة، ويستمر ويذكر العجائب في التضحية التي لا تكاد تختلف عن تضحيات الحواريين والصحابة، وتغيرات درامية في نفوس الناس، ثم كلام لجرجي زيدان عن الماسونية يوحي باعتراف بمشكلة عامة بين الماسون أنفسهم وبين الماسون والعامة الذين يرون فيها ضدًا للدين، ويطمئنهم أن الهدف من الدين والماسونية واحد وإن اختلفت الطريقة.

وأخيرًا يمكنك الإطلاع على تلك النسخة من هذا الرابط:

هذه كانت قراءة بسيطة وملخص لأهم الأفكار في خطبة وقعت عليها عيني صدفةً، وأما سبب العرض وغايته فهو فهم أعمق لذواتنا بفهمنا لتاريخنا، وإن كانت جمعية كالماسونية جزءًا منه فوجب أن نفهم هذا الفكر، والآن: هل تثق بكلام أبو شادي أم تراه كذبًا للتغطية على حقائق أعظم؟ لمَ نُشرت هذه الخطبة وهم يحرصون على سرية اجتماعاتهم؟ هل ترى تاريخًا للماسونية في بلدك؟ هل ترى ما يدور حولهم من إشاعات أم حقيقة؟ وأخيرًا، ما هي دوافع الإنضمام لجمعية سرية كهذه في رأيك؟ أولم يكن هدفها والدين واحد وهو تعمير الأرض؟