حين اختلفت أنا وهند عمارة حول القيمة الحقيقية لأحمد خالد توفيق, وأعي أن العديد سوف يختلفون معي, قررت نقل النقاش إلى مقالة منفصلة.

يمكن لمن يريد الاستزادة الاطلاع على مجموعة من المقالات, منها هذه

الكاتب الجيد باحث جيد

الفرق بين الهراء والخراء

وبقية المقالات سوف أدرجها في روابط بالتعليقات

نص تعليق هند عماري

"في نقاط بسيطة سأرد عليك أولا كيف تصف نجيب محفوظ بأنه كاتب غير جيد وتقول لي دون الدخول في جدال تعريف ما هو الكاتب الجيد، عذرا أنا أريد أن أعرف من أو ما هو الكاتب الجيد في نظرك؟

إذا كان نجيب محفوظ بكل كتاباته في نظرك ليس كاتب جيد فاعط لي مثالا على الكاتب الجيد من وجهة نظرك

أما بالنسبة لمقالك أنا لا أعرف كيف مر مقالك هذا دون أن يناقشك أحد فيما كتبت د.أحمد خالد توفيق عراب للتفاهة والهراء من الواضح أنك لم تقرأ حرفا له ولا أي مقال والرجل بنفسه لم يسع لهذا اللقب ولم يقل عن نفسه أنه ديستوفيسكي هو كان يعتبر نفسه بوابة للعبور للقراء المراهقين في تلمس ومعرفة كتاب كثر عرب وأجانب وعليك بقراءة مقالاته لتتعرف على فكره وطريقة تفكيره وصدقه

وسؤال ما الذي يعيب أدب الفانتازيا والخيال العلمي ليعتبر المتخصص فيهم كاتب هراء وتفاهة وإذا كنت ترى أن هناك إنتشار للأدب الغث وغير المفيد والخارج من رحم الشللية فهل معنى هذا أن نتوقف عن الكتابة بالطبع لا نكتب ونظل نكتب والزمن كفيل بتبين الغث من السمين والدليل هي كتب نجيب محفوظ التي تقرأ إلى الآن وكتب أجاثا كريستي وروبرت لويس ستيفنسون الذين استشهدت بهم"

وجاء ردي

يبدوا أنني بحاجة إلى مراجعة مقالي جيدا لأعرف ما الذي تستشهدين به من كلامي, سعيد جدة بحدة ملاحظاتك, لي تحفظ على طريقتك الهجومية ولكنها تناسبني كثيرا, فقط مع الأخذ في الاعتبار القاعدة المشهورة (الاختلاف في الآراء لا يفسد للود قضية).

أولا يلزم بي التعريف بأسلوبي النقدي في الكتابة, لي طابع غريب ينقد سلبا الشيء, ثم يلقي عليه بالمدائح الشيء ذاته. وهذه المرة مستعد للدخول معك في جدال حول جدوى هذا الأسلوب الذي يبدوا متناقضا.

ثانيا أنا قرأت جميع أعمال أحمد خالد توفيق, وأغلب أعمال أجاثا كريستي, روبرت لويس ستيفنسون وديستوفيسكي. أستطيع بالطبع مناقشتك في أي عمل للمذكورين, خاصة أحمد خالد توفيق الذي قرأت أعماله أكثر من مرة, وهي من الأعمال المبكرة جدا في حياتي, تعرفت عليها في سنوات القراءة الأولى. وبالطيع قرأت أعمال كافكا, ولافكرافت, وشكسبير, من المذكورين في مقالي.

ثالثا, أنا أرى أن أحمد خالد توفيق عبقرية حقيقية, وكان لي مقال سابق عددته فيه من أهم سبعة أدباء مصريين بالنسبة إليّ إلى جوار نجيب محفوظ, جمال الغيطاني, رضوى عاشور, وخيري شلبي. بالطبع قرأت لهم جميعا.

ولكن المشكلة, أنه, 1-هل ترين أدبه خاليا من أي عيوب, وما هي برأيك, ولكن أرجو الابتعاد عن بعض العيوب الطفيفة التي قد لا يلاحظها أحد (مثل القول أنا استمعت بهذه القطعية, وغيري لم يستمتع بها). 2-هل ترين شخصه خاليا من أي عيوب, لا يوجد شخص واحد عرفته يتمتع بالنزاهة الأدبية كما ينبغي, ولا وجود لهذا الشخص تقريبا, وقد عرفت أحمد خالد من قرب, وقابلته وحاورته وتهرب من بعض أسئلتي أو أنكرها, ولم يكن بالتواضع الكافي حين كنت أهاتفه على رقم جواله الشخصي (اعتقد أنني لازلت أحتفظ بالرقم بعد). 3-هل ترين آثاره كلها إيجابية؟. مع العلم, أنا أعشق أحمد خالد توفيق وآثاره الأدبية والفكرية, وقرأت كل أعماله, وشاهدت كل لقاءاته أو ندواته أو خلافه, بل وكنت أقرأ ردوده على رسائل القراء كلها, وتعليقاته على بعض الأعمال الجديدة, لكنه كاتب غير أصيل في أدبه إلا في بعض الأعمال العظيمة, وهو ينكر اسرقتها أو حتى اقتباسها بحجة تآلف الأفكار, ولكن هذاربما يكون جائز في فكرة أو اثنين, وليس في أغلب ما يكتب, ولي مقالة مطولة تسلط الضوء على الأعمال التي اقتبسها منها. أنا أيضا أحب أدب الرعب, هو الأقرب إلى قلبي, ثم أدب الفانتازيا, وربما بالتوازي مع أدب الخيال العلمي. ولكن يحق لي أن أحكم على ما أراه اليوم بأنه ليس أدبا. وأقول على الكاتب ألا يكتب بصورة تهكمية لكن لا أقولبمنعه عن الكتابة. بالنسبة لنجيب محفوظ, بعض النقاد يذهب بأن الكتابة الرمزية, أو المجازية, أو ذات التأويلات العديدة هي الأرقى, لاحقا, ورغم لغته المباشرة, اكتشفنا قدرا عظيما من الرمزية في أدب محفوظ. لذا القول بأنه كاتب غير جيد جاء مني بمعنى أنه تقريبا لا وجود لأي كاتب جيد. وصعب نحكم على كاتب عظيم بالمقارنة مع كاتب عظيم آخر. لكل طابعه الخاص. ولكن متى يصبح الأدباء عظماء؟.

هناك مجموعة من المعايير التي أفردت فيها مقالات ومؤلفات كاملة, ولكن ألخص أهمها, أو أكثرها قبولا من الناس, في نوعين

الأولى هو المساحة الأفقية جماهيريا, أي متى رواج العمل بين القراء, ولكن هذا يتداخل معه العديد من الألاعيب الدعائية, يعني مثلا, قارئ لم يقرأ لنجيب محفوظ, ويقول أن أحمد مراد أفضل منه, ولا أقول بالضرورة أن عليه أن يقرأ لنجيب محفوظ, ولكن يلزمه الاطلاع على ما يقارن به حتى يحكم, فالحكم على الشيء, فرع من تصوره. حتى أنت عزيزتي حسبتي إني لم أقرأ حرف واحد لأحمد خالد توفيق, وإني ألقي الأحكام جزافا. لا أعرف إن قرأت المقال كاملا أو جيدا, فتجدين إني في مفتتحه اعترفت بالدور الريادي للرجل. ولكن لا تقولي لي أن العديد من الكتاب, العديد جدا, وسمعت كلماتهم بأذني, يتعاملون مع أدب على أنه مجرد مصلحة أو (سبوبة) باعترافهم!. هذه المساحة تحاول أن تطلع على مآلات القراء, ولكن يلزمها أن يكون الكاتب معروف, يمكن لاستبيان للقراء بين أحمد خالد توفيق وأحمد خالد مصطفى أو حتى أحمد مراد, أن تذهب نتيجته إلى توفيق بالطبع. ولكن ماذا عن نهاد شريف, أو زكريا تامر, العديد لا يعرفونه ولن يحكموا لصالحه. هناك شق آخر لهذا المعيار, وهو المساحة الرأسية, أي الزمن فقط هو الذي يحدد من يبقى ومن يذهب, رغم أن عمر الإنسان قصير, ولا يلزمني أن أنتظر 50 عاما لأرى. ولكن يمكن رؤية ذلك حاليا في أسماء تظهر وتختفي بين عام وآخر. تامر إبراهيم, والذي أجده من أفضل أدباء الرعب, قد يذهب أدبه إلى غير رجعة. خاصة وإذا انطبق عليه سلبا النوعية الثانية من المعايير.

وهو الاختلاف, أي الأصالة والتقليد, بالطبع سوف تشعرين بالخداع, إذا اكتشفتي أن ما أبهرك في عمل, موجود في عمل آخر, أنت نفسك قارنت بين حلقة النداهة في أبواب الخوف وحلقة النداهة في مسلسل ما وراء الطبيعة. اكتشفتي أن المسلسل الأولى قدم نفس الشيء بجودة أفضل, لهذا دائما يجب أن نقارن بين عملين, لا أقول أن يتوقف الكتاب عن الكتابة, ولكن كاتب سيء لو لم يلقي هذه الدعاية الضخمة والدعم المادي سوف يتوقف عن الكتابة, كاتب جيد لا ينظر أحد إلى أدبه (أنا مثلا) ومع ذلك لا يتوقف عن الكتابة. يجب أن يكون هناك إنصاف في المعايير. مثلا معظم دور النشر لا تهتم بالنظر إلى أعمال جديدة, وتزعم أن العمل يستغرق شهورا للمراجعة. بينما كاتب من خلال توصية, يتم مراجعة عمله فورا. أو نشره دون مراجعة جادة. الوساطة جيدة إذا استخدمت بشكل صحيح وتحويلها إلى معيار جديد لتبين الجيد من غير جيد. مرة أخرى, أنت قارنت بين نداهة عمرو سلامة, واستنساخها عن فيلم الحلقة فيما يشبه الاستسهال. في الواقع, هو ريح دماغه, وقرر أن يرضي المشاهد الغربي, راح مقدم لهم مجرد شبح آخر, وليس نداهة, بالفعل هي شبح فتاة تم ذبحها في المسلسل. أما النداهة في الموروث العربي, أكثر أصالة, هي شيء غير معروف, وغير مرغوب فيه, يجسد غواية المرأة وينسب عادة إلى الجن أو الغيلان التي تسكن تحت الماء دون تحديد واضح لماهيته. لذا, المعيار الصحيح, للكتابة الإبداعية, هو ابتكار أسلوب جديد, أو طرح فكرة جديدة, ليس المعيار الوحيد الصريح, ولكنه الأكثر وضوحا. هذا برأيي,يظل أكبر معيار للكاتب الجيد, ونجيب محفوظ نجح في احتواء العالم كله داخل حارته (أو للتوسع داخل قاهرته), وهو ما لم يفعله أي كاتب آخر قبله. هذا ما يجعله كاتبا جيدا, برغم أن أسلوبه سهل, وباعترافه هو, هو كان لا يجيد الكتابة, ولكنه طور أفكارو, واستمر في الكتابة, وأيضا حصل على الدعم المعنوى والمادي المناسب بينما كاتب آخر مثل جمال الغيطاني, ربما واراه الظل.