سميرة موسى: عبقرية مصرية تحدّت المستحيل

** الميلاد والنشأة

وُلدت سميرة موسى في 3 مارس 1917 في قرية سنبو الكبرى بمحافظة الغربية، وسط أسرة بسيطة تهتم بالعلم. كان والدها رجلًا مثقفًا، شجعها على التعليم منذ الصغر، فنشأت محبة للمعرفة، وتميزت بذكاء استثنائي جعلها تتفوق في دراستها.

** التعليم والمسيرة الأكاديمية

انتقلت سميرة مع أسرتها إلى القاهرة حيث التحقت بمدرسة قصر الشوق الابتدائية، ثم مدرسة بنات الأشراف الثانوية، التي كانت تديرها المربية نبوية موسى. برزت موهبتها في الرياضيات والعلوم، مما أهلها للالتحاق بكلية العلوم بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا).

في الكلية، تتلمذت على يد الدكتور مصطفى مشرفة، الذي كان له دور كبير في دعمها أكاديميًا. تفوقت في دراستها، وحصلت على درجة البكالوريوس بامتياز عام 1939، وكانت أول امرأة مصرية تعمل كمعيدة بالكلية. واصلت أبحاثها حول استخدامات الإشعاع في علاج السرطان، وهو المجال الذي كرّست حياتها له.

** أبحاثها في الفيزياء النووية

سافرت سميرة موسى إلى بريطانيا لمواصلة دراساتها العليا، وهناك حصلت على الدكتوراه في الإشعاع الذري وتطبيقاته الطبية. كانت أول مصرية تتخصص في الفيزياء النووية، وعملت على تبسيط استخدام الطاقة النووية في المجالات السلمية، وخاصة علاج السرطان.

كان حلمها أن توفر الطاقة النووية بتكلفة منخفضة ليتمكن الجميع من الاستفادة منها، ورفعت شعار "أريد أن يكون العلاج بالذرة مثل الأسبرين". أجرت العديد من التجارب حول إمكانية تفتيت المعادن الرخيصة، مثل النحاس، لتحل محل المعادن المشعة الباهظة، مما أثار قلق القوى العظمى التي كانت تحتكر الأبحاث النووية.

** زيارتها إلى الولايات المتحدة والاغتيال الغامض

في عام 1952، تلقت سميرة موسى دعوة لزيارة معامل نووية في الولايات المتحدة، حيث أُتيحت لها فرصة الاطلاع على الأبحاث الذرية المتقدمة. كانت أول امرأة غير أمريكية يُسمح لها بذلك، مما أثار تساؤلات حول سبب هذه الاستثناءات.

وفي 15 أغسطس 1952، أثناء عودتها من زيارة لمنشأة نووية، تعرضت لحادث سيارة مريب في ولاية كاليفورنيا. انحرفت السيارة عن الطريق وسقطت في وادٍ عميق، بينما قفز السائق – الذي لم يُعثر عليه بعد ذلك – من السيارة قبل سقوطها بلحظات. كل المؤشرات تشير إلى أن الحادث كان مدبرًا، وسط اتهامات لجهاز الموساد الإسرائيلي، خاصة بعد رفض الولايات المتحدة تزويد مصر بمعلومات حول وفاتها.

** إرثها وتأثيرها

رغم رحيلها المبكر، تركت سميرة موسى بصمة لا تُمحى في مجال العلوم النووية. أسهمت أبحاثها في تطوير استخدامات الذرة في الطب، وفتحت الباب أمام النساء العربيات لدخول عالم الفيزياء.

تم تكريمها بعد وفاتها، حيث أُطلق اسمها على إحدى مدارس قريتها، كما مُنحت وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى عام 1981. لا تزال ذكراها حية كمثال للمرأة العربية الطموحة، التي كافحت لإثبات نفسها في مجال احتكره الرجال لعقود.

** الخاتمة

تبقى سميرة موسى رمزًا للعلم والتحدي، فقد واجهت الصعوبات بثبات، وسعت لتسخير العلم لخدمة الإنسانية. لم تكن مجرد عالمة مصرية، بل كانت رائدةً وضحيةً لصراعات القوى العظمى، مما يجعل قصتها درسًا في الطموح، والتحدي، والقدرة على ترك أثرٍ رغم التحديات.