صناعة الفيديو الذي يتطلب أيامًا تنفذه لك أدوات الذكاء الإصطناعي في دقائق معدودة وبجودة تناسب النشر على كل المنصات، فقط زودها بالفكرة وماذا تريد بالضبط، ليبدأ بكتابة الاسكريبت وإنشاء المشاهد، لتصل إلى فيديو جاهز بأسرع وقت. وبما أن تلك الوسائل ليست صعبة الوصول والاستخدام فلا عجب من انتشار تلك الفيديوهات وفقًا لأفكار كل مجموعة، سواء كانت أفكار مزيفة أو مضللة.
لذا هنا ياتي سؤالي، ما هي التداعيات الأخلاقية لاستخدام المحتوى التوليدي مثل الفيديوهات؟
أكثر ما اتخوف منه صراحة من إنتشار هذه الظاهرة من الفيديوهات هو إنتشار المعلومات المضللة، لأن كل يستطيع أن ينشء ما يشاء من محتوى مولد من هذه التقنية، ولا يكلف نفسه عناء البحث عن مصدرها وإن كانت صحيحة أم لا، وأبسط مثال أنني شاهدت إنتشار مجموعة من الفيديوهات تنقل الأحاديث النبوية وتوزعها بهذه الطريقة بين المنصات وتتناقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي والواتساب بالخصوص، تشارك عبر مجموعات الدراسة والمجموعات العائلية وغيرها، كل هذا دون التأكد من صحتها، وواضح أن كل من يتناقلها هو يفعل ذلك بقناعة تامة بأنها صحيحة.
يستهلك الجمهور المحتوى مثل الفيديوهات بشراهة ولا يهتمون بما إذا كانت حقيقية أو مضللة، بل ينجذبون إلى المؤثرات البصرية للفيديو والمعلومات المثيرة فقط. وهو ما دفع كثير من الناس لاستغلال تلك التقنيات لتحقيق أهداف شخصية دون النظر إلى المصالح العامة، انتشار تقنية مثل التزييف العميق "deep fake" لتوليد فيديوهات مزيفة تطابق الواقع وبشخصيات ومواقف تبدو واقعية تعد كارثة أخلاقية بحد ذاتها.
موت الإبداع في العقول.
فما قيمة العقل إذاً في توليد الأفكار والعمل عليها إذا كنا سنلجأ جميعاً إلى روبوت ينفذ لنا ما نريده دون أن نرهق أنفسنا قيد أنمله في ذلك؟
ثم ألا نرى جميعاً المحتوى الذي كتب بواسطة الذكاء الاصطناعي ويستطيع أي كاتب حاذق بسهولة معرفة أن هذا الأسلوب ليس بشرياً! فما الداعي للبشر بعد ذلك في العمل إذا كنا نرضى بأن يقوم الروبوت بأعمالهم، هل يبقى البشر للأعمال البدنية المجهدة فقط؟
وردت في ذهني الآن فكرة مرعبة كنت أسمعها قبل ذلك وأهملها لما أجد فيها من خيال مفرط، ولكن هذه المساهمة جعلت السؤال يتردد في عقلي بقوة، هل نصل إلى الوقت الذي يصبح فيه البشر مسخرون لخدمة الروبوت؟
فإذا كان هو المفكر المبدع ولا حاجة للإنسان، فهل يستعمل البشر - مستقبلاً - للخدمة فقط؟
هل سنرى فئة عليا من المجتمع تسخر الروبوتات للتفكير وأخذ القرار، ويسخرون البشر للتنفيذ فقط؟
لم أعد أستبعد شيئاً.
إذا كنا نرضى بأن يقوم الروبوت بأعمالهم، هل يبقى البشر للأعمال البدنية المجهدة فقط؟
ذكرني ذلك بما حدث حينما قامت الثورة الصناعية منذ مئات السنين، لكنه كان على النقيض مما ذكرت معاذ.. فظهور الآلة خلال تلك الثورة جاء لإعفاء البشر من الأعمال المجهدة التي تستنزف وقتهم وطاقاتهم البدنية؛ وذلك حتى يجدوا وقتا للتفكر والابداع وهو مهمتهم الرئيسية المنوطة بهم آنذاك!
هل سنرى فئة عليا من المجتمع تسخر الروبوتات للتفكير وأخذ القرار، ويسخرون البشر للتنفيذ فقط؟
نعم مع حق ألا تستبعد ذلك أيضا، فتلك الفئة الأرستقراطية متواجدة منذ الأزل وستظل كذلك للأبد، ولأنها تفضل دائما ان تشعر بتميزها عن بقية البشر، أتخيلهم في ذلك الوقت يعطون الأولوية للروبوتات التي لن تزاحمهم بمكانتهم الاجتماعية، وتمنح للبشر المهام المجهدة التي تشعرهم بدونيتهم!
وذلك حتى يجدوا وقتا للتفكر والابداع وهو مهمتهم الرئيسية المنوطة بهم آنذاك!
نعم أماني ولكن المشكلة هنا أن هذه الأعمال تعد بالفعل إبداعية فمثلًا صناعة الفيديو عملية تتطلب ابداع عدد كبير من المحترفين في مجالات الصوت والصورة والحركة وكلها عمليات إبداعية ناشئة من أفكار أصحابها، وهي تأخذ وقتًا ومجهودًا كبيرًا، ووجود منافس شرس كهذا إنما يهدد وجودهم بدل مساعدتهم
وهذا ما قصدته بتعليقي أمنية؛ فالثورة الصناعية جاءت لتهيئة الأسباب التي تعين الانسان على التفكير والابداع.. بينما جاءت نظيرتها التكنولوجية أو الرقمية، لإعفاء الانسان من مهمة التفكير والإبداع قدر الامكان!
بينما جاءت نظيرتها التكنولوجية أو الرقمية، لإعفاء الانسان من مهمة التفكير والإبداع قدر الامكان!
هذه مشكلة اخرى بالفعل، فإذا جاءت الآلة لاستبدال المجهود البدني، والتكنولوجيا لاستبدال المجهود العقلي، فماذا سيكون هدف الإنسان في الحياة؟
لكن ماريقلقني أكثر هو ما يمكن لتلك التقنيات فعله إذا ما تراخى الإنسان وترك لها السيطرة، توليد فيديوهات تتبنى نظريات ومبادئ وتوجهات لفئة معينة (تسيطر على تلك التكنولوجيا) ، وتصبح هي المهيمنة على الفكر العالمي، كيف سيكون حال الأجيال القادمة؟
..فماذا سيكون هدف الإنسان في الحياة؟
ربما إدارة كلتيهما!
فرغم تقدم التكنولوجيا الصناعية والرقمية إلا أنها تفتقر دوما لعنصر بشري يوجهها ويتابع تنفيذها للمهام الموكلة اليها.
أليس مجرد التفكير فقط في هذا الأمر كفيل بأن يخلق صحوة في العقل البشري ويدفعهم لاتخاذ خطوات جادة لمنع ذلك ولو كان الأمر خيالياً لا يصدقه العقل، أم أنهم استسهلوا الأمر؟
موت الإبداع في العقول.
ما أفكر فيه حقًا هو استجابة الناس وإمكانية اعتيادهم على هذا النوع من المحتوى، وعدم تمييزهم بين المحتوى الأصلي والمزيف، مما يؤدي لانتشار أفكار لفئة معينة لتوجيه الرأي العام بتوجهات تخدم مصالحهم الخاصة مما يفسد المجتمع. الا توافقني الرأي؟
بالضبط كما ذكرتِ، ولكنني في كثير من الأحيان كنت أجد نفسي قادراً على تمييز المحتوى الذي تمت صياغته بوسائل الذكاء الاصطناعي، ولكن أحياناً أفشل في ذلك.
فهل لديكِ أية نصائح تساعد في فهم وتمييز ذلك المحتوى.
أم أن الأمر سيظل في درجة كبيرة من الخطورة لهذا السبب؟
الأمر معقد بالفعل فدرجة التزييف لتلك الفيديوهات متقنة بالفعل تكاد تكون أكثر َواقعية كلما زاد تطور تلك التقنيات.
لكن ما الفائدة من تمييزنا لزيفها، المهم في الموضوع هم الجمهور المتأثر بذلك المحتوى وغالبَا لن يكلف نفسه عناء التحقق منه.
لكن ما الفائدة من تمييزنا لزيفها
ولعل هذا هو ما يصنع خطراً على صناع المحتوى، فإذا ما تم الاستغناء بهذه الوسائل عن البشر فإن كثيراً من صانعي المحتوى سيجلسون في بيوتهم دون وجود عملٍ لهم.
لكن هل يمكن أن يشكل هذا الأمر تنافساً بين البشر والتكنولوجيا على البقاء في مضمار السباق؟
بحيث إذا ما شعر البشر بالخطر الوشيك يتنافسون بكل قوتهم لإثبات أنهم أفضل من هذه الآلات التي صنعوها هم أنفسهم، أم أنهم لن يستطيعوا مضاهاتها، وبذلك يهلكون أنفسهم بما قدمت أيديهم؟!!
هل يمكن أن يشكل هذا الأمر تنافساً بين البشر والتكنولوجيا على البقاء في مضمار السباق
بالطبع وهذا يدفعنا لاستخدام نفس السلاح للمنافسة؛ لذا وجب علينا مواكبة التطور واستغلال التقنيات الحديثة المتاحة للبقاء في مضمار السباق ونعزز قدرتنا على المنافسة
أعجبتني فكرة استخدام نفس السلاح كدرع للحماية من خطر السلاح.
ولكن ذلك يحتاج وعياً شديداً وكبيراً في التعامل بهذه الأدوات، وخاصة أننا سنتعامل مع بها معها، أو بمعنى أصح مع من يسخرونها لنفس الغرض ولكن بشكل معاكس.
نفس فكرة الحرب معاذ، لن يدخل جنيًا ساحة المعركة بقوس وسهم مواجهًا البنادق والذخيرة.
ولكن ذلك يحتاج وعياً شديداً وكبيراً في التعامل بهذه الأدوات
لهذا نحن في تعلم مستمر ولا يجب أن نتوقف عن مواكبة التطور
انعدام الخصوصية يعد من أهم مساوئ فيديوهات الذكاء الاصطناعي، فلا بد ألا يتم عمل فيديوهات مزيفة تحكي قصصًا غير حقيقة عن المشاهير أو تسرد بعض المشاكل الخاصة والبيانات بغرض جمع المشاهدات، بل ينبغي الحفاظ الدائم على خصوصية الأفراد وبياناتهم الشخصية.
اعتقد أيضًا انه يمكن تطويع ادوات الذكاء الاصطناعي للوصول إلى بيانات ومعلومات شخصية حساسة وهو بالتأكيد تعدي على الحريات الشخصية، وأصبحت تلك الفيديوهات المزيفة منتشرة بشكل واسع
رأيت أكثر من تعليق يتكلم عن انتشار المعلومات المضللة في فيديوهات الذكاء الاصطناعي: نعم سيكون هناك تضليل وتلاعب لكن من ناحية أخرى سنجد عشرات الأدوات التي تخرج وتخبرنا بظأن الفيديو مزيف أم حقيقي.
أما بالنسبة للاعتبارات الأخلاقية فأنا أتخوف من استخدام بيانات الناس وبصمات أصواتهم وصورهم في هذه النماذج التوليدية. فمثلا أليس هناك أشخاص ينجرفون نحو فكرة البرامج التي تعطيهم صورهم بعد عدد معين من السنين ويفرحون بتجربة هذه البرامج؟ للأسف لا يقرأ منا أو لا يهتم أساسا أحد باتفاقية الاستخدام لأي تطبيق ودائما نضغط موافق، هذه التطبيقات مثلا تعطي نفسها الحق في استخدام صورك الشخصية في بناء نموذج افتراضي منك يعمل في الواقع الافتراضي وهذه التطويرات والخطط جاري البحث فيها الآن.
سنجد عشرات الأدوات التي تخرج وتخبرنا بظأن الفيديو مزيف أم حقيقي.
من الجمهور المتايع لمثل تلك الفيديوهات ذات الانتشار الفيروسي، كم برأيك ينفقون وقتًا للتحقق مما إذا كانت حقيقية او لا؟ بل أن المشكلة ان تلك الفيديوهات تلقى رواجًا لأنها تناسب أذواق الجمهور المتابع، وهي تستهدفهم بشكل مباشر.
التعليقات