الفترة الماضية زاد وقت متابعتي للفيديوهات القصيرة وقد كنت لا ألتفت لها مسبقا، ووجدت أنه لابد من وضع حد لذلك، أنت عندما تتابع لفترات طويلة ستجد حجم تفاهة وفراغ يجتاح مجتمعاتنا مخيف، بحيث ينطبق عليها" عاهاتك يا وطن"، حتى الكوميدية منها يوجد تقليد وثقالة دم وإهانة واستذلال كبير في سبيل مواكبة الترند والشهرة.
في بعض الأوقات أفتح شاشة التلفاز؛ ثمة برامج تستعين بمشاهير هذه الفيديوهات على أساس أنهم مؤثرين في المجتمع، طبعا كل بما يخدم توجهات القناة وأهدافها الإعلامية، وغالبا يكون بنكهة" تمييع المعدة"، فتتأكد أننا في عصر التفاهة وترويجها لإشغال الناس عن الحياة الحقيقية، يذكرني ذلك بما كتبه آلان دونو في كتابه "نظام التفاهة"، ترى متى سنصحو كأمة عربية ونواجه بجدية التحديات والقضايا التي تواجه أمتنا، تجد الشخص يمشي وينظر إلى هاتفه ولونظرت فعليا إلى مافي هاتفه لوجدته شيئا تافها لتضييع الوقت، لا شيء يستحق.
المعضلة في الأجيال الصغيرة الناشئة، فجميعهم ما إن يصل عمر العشر سنوات حتى يطالب بأحدث أجهزة الهاتف، وأن يكون له حساب على جميع مواقع التواصل الإجتماعي،الجميع يريد ملاحقة الترند والشهرة، وجمع النقود، الكل يريد أن يكون نجم، نجم في التفاهة، ولا أريد استخدام مصطلح أقل من ذلك ولكن مانراه على الواقع يستلزم ما هو أقل من مصطلح التفاهة، وتبعا لذلك وجب على الأهل مواكبة هذا الجنون حتى لا تزيد الفجوة وتكبر مشكلات الأجيال، هذه الأجيال المغيبة، فالفتاة التي ليس بإمكانها الحلم بالشهرة تحلم بالترند، شاب وسيم فاحش الثراء يتقدم لها بعرض زواج خرافي"بريبوزال"، في فندق أو مطعم فخم، بعد ذلك يأتي حفل الزواج الأكثر خرافية من البريبوزال ثم بعد فترة الحمل فالأطفال وأحيانا الطلاق الرومنسي فالزواج مرة أخرى بطريقة أكثر فخامة من الأول لتثبت أن هذا العوض، وهذه كل القصة، ولا أحد يركز على جوهر الحياة، تحمل مصاعب الدنيا ومواجهتها مع الشريك المناسب، وبناء أسرة صحية وتنشئة أطفال أسوياء، للأسف حتى الأهالي في بعض الأحيان أصبح مواكبة الترند والشائع هو شرط من شروط قبول الزواج.صأأأأأأأ
الأعراس تصور وأدق تفاصيل الحياة تصور، حتى الموت أصبح يصور ويتنشر تفاصيله بهدف الترند والشهرة وجمع أكبر عدد من المشاهدات والإعجابات، في الفترة الماضية انتشر خبر وفاة أحد المؤثرين -مع تحفظي فالرجل قد توفي وذهب إلى ربه - لكن بعض الفيديوهات تنشر من باب العظة إلا أنها تدخل في محتواها بباب آخر كالشماتة في الموت، بالإضافة إلى تعليقات مسيئة تؤذي أهله، الموت للعظة وليذكرنا بهادم اللذات وأننا علينا التفكير ماذا قدمنا لنحاسب عليه بعد وفاتنا، الموت للعظة وليس للتصوير الموت له حرمة وقدسية ، ماذا سنقول في عصر سادت التفاهة فيه على أبسط القيم.أ
عندما كان يقال لي إن عصرنا من أسوأ العصور التي مرت في تاريخ البشرية كنت دائما أعلق: هذا لأننا عاصرناه، لكل زمن سيئاته، في الآونة الأخيرة بدأت أعتقد وبشدة أنه من أسوأ العصور فعلا في تاريخ البشرية، الظلم صريح والتعدي على الحرمات واضح، والحياء عملة نادرة، والتعاطف والأدب أصبح نقطة من نقاط ضعف الإنسان، ووجب عليك تعليم نفسك ومن يعني لك الجرأة أحيانا لدرجة الوقاحة حتى تفرض احترامك وتدافع عن آرائك وخصوصيتك، أي زمن هذا، لابد من تدخل قوي وصارم حتى يضبط الموضوع، فبرأيي ماتقوم به بعض الحكومات من وقف ومعاقبة بعض المؤثرين ليس بالشيء الكافي بل لابد من زيادة الرقابة الإلكترونية وتشديد عقوبة الجرائم الالكترونية لضبط هذا السيل الجارف من المؤثرين الذين يساهمون في انحدار ثقافة المجتمعات أكثر وأكثر ، ووجب أن لاتطلق كلمة مؤثر على الأكثر متابعة بل على الأكثر قيمة وفائدة ، لو طبق هذا المبدأ سنجد اختفاء كثير ممن امتهن كلمة مؤثر وأصبحت سخافته وظيفة يقتات منها.
التعليقات