للمدونين، ما العوامل التي ساهمت في استمراركم في نشر المحتوى على مدوناتكم دون توقف؟

أعتقد أن التفكير في المدونة على أنها مشروع، من شأنه أن يجعل صاحب المدونة يشعر بالالتزام تجاهها والمسؤولية، فلا يمكن الاعتماد على الشغف فقط للاستمرار، خاصة مع وجود أعمال أخرى نحن ملتزمون بها، سينطفئ الشغف وننشغل. إذا اعتبرنا المدونة المشروع، هذا يعني أن ننفق عليها بدءًا من التصميم، وحتى لو احنا توظيف مستقل يساعدنا في الكتابة فلا بأس، قد يرى البعض هذا مكلفًا، لكن هذا الإنفاق سيجعلنا نشعر بالمسؤولية ونساهم في النشر ونستمر، لترقب النتائج.

إنشاء مدونة شخصية أو مهنية هو بالفعل خطوة جريئة وملهمة تتطلب الكثير من العزم والإصرار. كما ذكرت، تختلف دوافع إنشاء مدونة من شخص لآخر، لكن في النهاية، يجب أن يجد الشخص العوامل التي تحفزه على الاستمرار في نشر المحتوى بشكل دوري، في السابق كنت أكتب كثيرا في مدونتي الشخصية لكن سرعان ما ذهب ذلك الشغف تدريجيا بسبب تراكم المهام لدي وكثرة المشاريع والانشغالات، لهذا يجب أن يضبط المرء نفسه وفق برنامج محكم ويلتزم معه في حال أراد الاستمرارية.

في العمل الإبداعي أرى دائما تنحية فكرة الكسب أو الأموال وخاصة في الفترة الأولى والتي تكون مدتها كبيرة بالمناسبة، لأنه بسبب التفكير في الأرباح أو ماذا أحصل مقابل ما أقدمه تقتل العملية الإبداعية بشكل كام، فمن يكتب أو يقدم محتوى أي كان علمي أو فني فهو يقدم عليه ويقدمه لأنه يحب أن يفعل هذا يحب أن يشارك الأخرين ما يدور في عقله ليتعرف ويؤثر ويتأثر بغيره فلو وضع صاحب المدونة هذا الهدف في عقله فسيعمل على تطويره وتقديم أفضل ما عنده في هذه النقطة، ومن ثم بعدها لن يحتاج إلى التفكير في جزئية الأرباح لأنها ستأتيه مع الوقت وحتى لو لم تأتي فهو يقدم شيء هو راضي عنه بالأساس وهذا أفضل ما في العملية الإبداعية والفكرية.

إن إنشاء مدونة يمكن أن يكون مفيدا على عدة مستويات، بما في ذلك تعزيز الإبداع الشخصي ومشاركة المعرفة والتفاعل مع جمهور مهتم بالمواضيع التي تختارها لمدونتك، وأيضا يعد الشغف والاهتمام بالموضوعات التي تختارها لمدونتك عاملا رئيسيا في البدء في إنشاء المحتوى، عندما تكون مهتما بموضوع معين، ستكون أكثر رغبة في البحث والكتابة ومشاركة المعلومات المفيدة حوله وبالتالي يتم إكتساب الخبرات بشكل متوازي بين صاحب المدونة بحكم البحث المستمر والتطوير في طرح المواضيع وبين القارئ المتلقي للمعلومات وبالتالي تنشأ عملية تبادل للأفكار .

أما بالنسبة لتعزيز الاستمرارية في نشر المحتوى على المدونة، أرى أن محاولة تجربة أشكال متنوعة من المحتوى مثل المقالات ومقاطع الفيديو والمدونات الصوتية. قد يساعد هذا في جذب جمهور متنوع وتنويع تجربة القراء، بل يعطي لصاحب المدونة مزيد من الخبرات المكتسبة مع إعطاء المدونة تأثير واضح على القارئ

العوامل تتوقف على حسب الهدف الأساسي من إنشاء المحتوى، ما آراه حاليا أن إنشاء المدونات هو مشروع تجاري في المقام الأول وهدفه هو التربح، وأغلب وأصحاب المدونات في هذه الحالة ليست لديهم خبرة ولا مهارات في صناعة المحتوى، ولهذا يستعينون بمستقلين لمساعدتهم على إنشاء وتطوير المدونة، وهنا إذا نجحت المدونة وبدأت تأتي بعوائد، عملية إنتاج المحتوى ستستمر بشكل تلقائي، أما إذا لم تأت بعد استثمار الكثير من المال فيها، فالتوقف نهاية لا مفر لها، وهذا كان سيختلف إذا كان الهدف من الإنشاء هو حب لمجال معين ورغبة في مشاركة الخبرات والمهارات مع الآخرين، فسيكون الشغف هو الدافع هو وراء إنتاج المحتوى بشكل دائم، فالمدونة بمثابة مساحة لإفراغ الأفكار والآراء والمشاعر وتنظيمها، وأي عمل يرتبط ارتباطا وثيقا بالشغف فقط دون السعي وراء أي شيء آخر لن يمل عنه صاحبه ولن يتوقف.

اعتقد أن فكرة إنشاء مدونة أو موقع خاص بكِ هو أمر ممتاز في حد ذاته، وهناك الكثير من العوامل التي جعلتني شخصيًا أفكر أكثر من مرة في الأمر بل وأجربه لأحقق أقصى استفادة ممكنة منه، ومن ضمن هذه العوامل بالتأكيد هي الرغبة في أن يكون لي كيانًا مستقلًا والابتعاد التام عن استغلال أصحاب المواقع الكبرى لي ككاتبة محتوى، إذ يرغب الكثيرون منهم في الحصول على محتوى حصري بمقابل لا يُذكر دون مراعاة لجهدي ووقتي، وهذا هو ما دفعني لإنشاء مدونة خاصة بي، وكذلك دفعني لإنشاء المدونة رغبتي في العمل وكتابة أفكاري بحرية ونشر العلم بطريقتي الخاصة دون قيود أو شروط.

وبالرغم من أن هذا يتطلب الكثير من الوقت والجهد للربح على عكس العمل في مواقع ومدونات الغير، إلا أن الأمل وحده هو الذي يدفعك للاستمرار، ففكرة وجود مدونة صغيرة قد تصبح يومًا ما من أهم المدونات في الوطن العربي، وإمكانية تحقيق الكثير من الأرباح من خلالها بشكل مستمر هي وحدها القادرة على جعلك تستمرين في العمل دون كلل أو ملل.

ولأكون حيادية ففكرة الربح من المدونات حاليًا قد تغيرت كثيرًا نظرًا لصعوبة قبول المواقع والمدونات على أدسنس وغيرها من مواقع الإعلانات بسبب وجود الكثير من الشروط والتعقيدات التي تم وضعها للقبول، كما أن الربح في العادة يكون على المدى الطويل وقد يتطلب الانتظار لسنوات عديدة لتظهر نتيجة واضحة.

لدي صديقة تمتلك مدونة شخصية أنشأتها فقط بدافع توثيق لحظاتها الحياتية وبعض المحطات منها وأراها بالفعل نجحت في تحقيق هدفها، رغم أنه قد لا يكون عدد متابعينها كثر ولا تسوق لها ولا أي شيء يُذكر، ولكنها تتعامل معها معاملة دفتر الذكريات، وهذا جذب إليها بعض المتابعين لقراءة أفكارها والتعرف على نمط حياتها والحصول على الإلهام منها. هي مستمرة إلى الآن، تنشر بها على فترات، والدافع الأكبر لها هو توثيق حياتها. قد نظن أنها لا تحصل على مقابل، ولكن هذا غير حقيقي فالمقابل الذي تتحصل عليه معنوي أو روحي أكثر منه مادي، وطالما كانت المدونة تغذي عندها هذا الجانب فهي مستمرة بها.