الثامنة بتوقيت الساعة، الواحدة بتوقيتي الشخصي، لطالما اعتبرت أن الصفحة البيضاء هي الساعة صفر وأن الكلمة الأولى هي مطلع الساعة، أرغب اليوم أن استرسل في الحديث عني…

أنا المرأة التي تقف دوما كعقرب في ساعة خربة، يهتز بثبات في محله يتقدم ببطء شديد ومن ثم يَعلق مرة أُخرى، إنني معلقة في صدر الزمان، مصلوبة ربما بين عالمين، مشدودة الأوصال في عالم شائك، عالمٌ قائم على الشك، الشك هو كعبته التي يطوف حولها قاطنيه قاطبة، أنا امرأة شاكة، ومعنى ذلك أنني أقف دائما في المنتصف، بين فريقين، بين رأيين، بين كلمتين ربما أقترب من حافة إحداها لكنني لا أكون ضمنها أبدا.

حائرةٌ دائما أقف في منتصف طريق الآخرين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، الشك قد يكون بدء المعرفة، لكن ماذا إن بقي المرء مُعلقا في الشك، لا معرفة تُشبع حيرته أو تُحيل شكه يقينا في أمر ما، إنه شتاتٌ فكري..

أنا امرأة ضبابية، لا تُرى، ولا يعنيها أن تُرى لذاتها، تؤْثر ألا يراها الآخرون، ألا يسألون عن أحوالها، ألا يقتحم أحدهم رسائلها، ألا يَدق جرس هاتفها وألا يزورها أحد، تُرهقها القيود المجتمعية، والتساؤلات الروتينية التي لا تمر كريمة وإنما تُخلف غبارا فكريًا قويا في ساحة عقلها، فيأخذها بالتحليل والتمحيص والتقليب على كل جانب..

أنا، أنا الكلمة غير المكتوبة، والحديث الذي لا يُسمع والإجابة التي لا تُقال، والأمنية التي لا تقع، أنا الدمعة التي تُذرف بعد أن يُقفل الستار!

أنا العضو المبتور مخافة أن يصيب بقية الأعضاء، والكلمة المتأججة التي لو قيلت لأنهت، والخوف الذي لا يُصرح به لأنه لو صُرّح به لوقع.

أنا التي تخشى الكتابة لأنها تخشى الفشل، وحين تكتب تخبئ غالب النصوص لخوفها من أن تُواجِه بنصها  كي لا يقول أحدهم بأنها نصف موهوبة، أنا التي تبدأ كل يوم من جديد لأنها تخشى النهايات، أنا المتخمة بالحياة  والعد!

أنا التي لو كتبت نصوصًا تبدأ بـ "أنا" ما كفتها صفحات العالم، ولو سكتت لانتفخ جسدها بالأحاديث حتى الإنفجار، أنا المعلقة .. بين صمت مُبكٍ وأحاديث مُدماة ..

امرأة لا تُرى وعلى الأغلب لا تُحس، لهذا تتكلم، حتى لكأنها لا تكف عن الثرثرة، ولهذا تقرأ، ولذلك أيضا تكتب ..

نحن لا نتوقف عن الأحاديث حتى يشعر بنا العالم، لهذا يبيت العالم صاخبا دوما لأنه لا يُحِس ولن يُحِس!