كان الأمس حاراً وكذلك كان اليوم قائظاً حرارته تلهب الجلود وتبهر الأنفاس! شهدتُ مشادة كلامية بين سائق تاكسي وبين آخر يقود سيارة ملاكي. ما لبثت أن تشابكت الأيدي وانطلقت الألسن بالسباب والشتائم. توقفت الطريق وحرارة الشمس تلسع رؤوس الواقفين والواقفات وكادت أنفاسي تتوقف!

في روايته (الغريب) يروي ألبرت كاموس على لسان "مورسو" بطل الرواية ظروف قتله للعربي عند الشاطئ: بدأ لهيب الشمس يحرق خدي، شعرت بقطرات العرق تتجمع عند حاحبيً. صار جبيني يؤلمني وأخذت كل عروقي تنبض تحت جلدي. خطوت خطوة واحدة للأمام...استل العربي مُديته..عرضها أمامي تحت وهج الشمس...انعكس الضوء على المعدن...في اللحظة نفسها سال العرق المتجمع عند حاجبي دفعة واحدة على جفنيً...

هنا مادت الأرض تحت قدمي مورسو ولم يفق إلى على أصابعه تشد الزناد وتطلق الرصاص! لم يقنع بطلقة واحدة بل أتبعها بأربع طلقات في جسد العربيً المُسجّى!! ما هذا العنف غير المستساغ؟! العربيً لم يهجم عليه ولم يكن الأمر ليستأهل ذلك! قال مورسو للقاضي يعلل ذلك: الشمس هي السبب!  وبعيداً عن التأويل العبثي لتلك الرواية إلا أن الشمس وضرباتها الحامية فوق الرؤوس قد تجعل توازننا النفسي والعصبي يختل. هل لذلك تأويل عصبي أو هرموني أو نفسانيً؟ لا أعلم.

في رواية (الإنسان الأول) يصف كاموس ظروف الشجار في الحي العربي في الجزائر وتأثير القيظ الشديد: كانت الحرارة فظيعة...وكثيراً ما تدفع الناس تقريباً للجنون. ومع الأيام يصبح الجميع أكثر عصبية بلا حول أو طاقة لرد الفعل أو الصراخ. وتتراكم العصبية مثل الحرارة نفسها إلى أن تنفجر هنا أو هناك في الحي الأشقر الحزين. ثم يروي كاموس قصة ذلك الحلاق الموريتاني الذي قطع زور الزبون العربي بضربة من موسيته الطويلة!

وجدت دراسة حديثة (2019) أجراها الباحثون في جامعة كاليفورنيا أن هناك علاقة مطردة بين ارتفاع درجات الحرارة ومعدلات زيادة الجريمة والتحرش و السلوك العنيف في لوس أنجلوس. ارتفعت تلك المعدلات في المتوسط بنسبة 5.7% في الأيام التي ارتفعت فيها الحرارة عن 85 درجة فهرنهايت. تلك العلاقة المطردة بين زيادة معدل الجريمة ودرجة الحرارة تتضح بشدة في الأحياء الفقيرة. غيرً أن الدراسة لم تذكر السبب الكامن وراء ذلك!!

فلماذا القيظ الشديد في الصيف يزيد من السلوك العدواني؟ وكيف نتجنب ذلك؟