المتعارف عليه عند أغلب المؤلفين والكتَّاب أن السرد إما أن يكون في الزمن الماضي أو في الزمن الحاضر، وأحيانا يستخدم الناس الكلام عن المستقبل كاستشراف أو نبوؤة في القصص، لكن ماذا لو قلت لك بانه توجد قصة في كتاب الله تبارك وتعالى حكيت بفعل الأمر أي بلا زمن.

وهي قصة سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام، عندما سأل الله تبارك وتعالى أن يريه كيف يحيي الموتى، فأمره الله أن يقوم بذبح أربع طيور وتوزيع جثثها على الجبال، ثم دعوتها ليجدها تأتيه ساعية حية ترزق.

ففوق معجزة إحياء الطيور الميتة والمقطعة والمتفرقة على رؤوس الجبال، فقد انزل الله تبارك وتعالى القصة محكية بفعل الأمر كما ترى في الآية الآتية:

بسم الله الرحمن الرحيم

{ وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمُ رَبِّ أَرِنِی كَیۡفَ تُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ قَالَ أَوَلَمۡ تُؤۡمِنۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّیَطۡمَىِٕنَّ قَلۡبِیۖ قَالَ فَخُذۡ أَرۡبَعَةࣰ مِّنَ ٱلطَّیۡرِ فَصُرۡهُنَّ إِلَیۡكَ ثُمَّ ٱجۡعَلۡ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلࣲ مِّنۡهُنَّ جُزۡءࣰا ثُمَّ ٱدۡعُهُنَّ یَأۡتِینَكَ سَعۡیࣰاۚ وَٱعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ }

[سُورَةُ البَقَرَةِ: ٢٦٠]

كما ترى فسرد القصة بالكامل تم من خلال ثلاث أوامر شكلت حبكة القصة كالتالي:

فالتمهيد كان الأمر بذبح أربع طيور وتقطيعها.

والعقدة كانت في توزيع كل جزء من الطيور على جبل من الجبال.

والخاتمة كانت في دعوة الطيور للعودة إلل عشها، ورؤيتها وهي تعود حية ترزق.

وكما ترى نحن لم نعلم من سرد القصة هل نفذ بني الله إبراهيم الامر أم لا؟! وهذا رغم أننا نوقن بأنه نفذها لأنه أمر من الله، لكن حكاية القصة بفعل الأمر حيدت عامل الزمن، وجعلتنا نتصور الحدث على أنه حدث فعلاً، لكونه صارداً عن أمر من الله تبارك وتعالى، رغم عدم تأكيد ذلك في القصة، ورغم ذلك تم المعنى ووصلت الفكرة بشكل واضح.

وأجد هذا من إعجاز القرآن الكريم في السرد، ويمكن أن نتعلم منه تقنيات كثيرة في الكتابة لنخرج بأساليب سرد إبداعية، فالحكاية بالأمر ساعد في تجاوز الزمن وهي معضلة من معضلات الكتابة.

وتبقى المشكلة في كيفية تطبيق هذا الأسلوب البديع في القصص وكيفية الاستفادة منه، وأحمد الله أننا مؤمنون بكتاب قال الله سبحانه وتعالى بأن فيه احسن القصص.