نُحب الروايات لإنّها تأتينا بالمُختلف من الحكايات سواء على صعيد الحركة والأفعال أو على الصعيد النفسي الباطني من المشاعر والأفكار، ومع كل ذلك إلى أننا ما زلنا نمارس نوع من الرقابات الشعبيّة على ما يُنشر غالباً لتزيد من صعوبة تعاطي أي كاتب مع المجتمع الحالي بوجود كم كبير من زوايا الرقابة التي تحيط بما يجب أن يُقال وما لا يجب أن يُقال أو يُوضّح للجميع. 

فمثلاً رواية سرمدة للكاتب فادي عزّام التي حكي لنا فيها أو لنفسه عــن مـوطـنه الحـلو والآثم عـن مدينة السويداء في سوريا، الركنُ الأكثر تكتّماً في الجمهوريّة، تحديداً عن سرمدة، القرية المنسيّة في الدرك الأسفل من العار، تبدأ الحكاية بنزيفٍ أخلاقي هو العرف الذي يجعل شرف النساء قريبٌ دائماً من النصل، من السكاكين التي باتت لا تُدرك الفرق بين رؤوس الأبقار (بحسب الحكاية) ورؤوس البنات الجميلات، وربما تنتهي الحكاية حين تنتهي النساءُ..

 وقـع اخـتياري علـيها لأُذكّـر أيـضـاً بـدور الأدب، بدوره وقيمة دوره حين يعرض التجارب المُبدعة، حين يفتح جسوراً للتواصل في الأماكن الكتيمة وقنوات لنسمع عبرها أصوات الآهات البعيدة أو على الأقل مساربَ وفجوات صغيرة لرؤية الدماء السيّالة.

ولكن قُوبلت هذه الرواية برفض مُجتمعي شديد بناءً على توصيفاتها التي قد تبدو جارحة للبعض أو مُخلّة للأدب العام في إشارة غريبة من المُجتمع في أننا قد نقبل هذا الأمر في الواقع لكن لن نسمح في الحديث عنه في الحكايا حتى ولو كان هدف هذه الحكايا الأوّل والأخير هو الارتقاء بمجتمع أفضل من التوصيف لهذه المعاناة الواقعة! 

يأتي الروائي شكري المبخوت أيضاً ليكون كاتباً آخر يدخل في هذه المعادلة، معادلة الرفض الاجتماعي بناءً على المكتوب مع أنّهُ مُعاش أصلاً، ففي روايته الشهيرة "الخبز الحافي" وهي سيرة ذاتية لهُ حاول فيها البوح في كل شيء أيضاً قد عاشه في حياته سواء في أسرته أو حارته ووطنه، لكن قُوبل هذا البوح بالكثير من الهجوم والاعتراض حتى أنّها قد جعلت الكاتب ذاته يصرّح أكثر من مرّة أنّهُ بات يكره وَقع اسم هذا العمل على مسامعه! 

ولذلك أسأل الأن: ما هي الخطوط الحمراء التي يجب أن لا يتجاوزها الكاتب؟ وهل حقاً يجب أن يكون هُناك خطوط حمراء لكل كاتب؟ وأيضاً هل يجب أن يتجاهل الكاتب ما يتجاهله المُجتمع؟!