توشك على الإنتهاء سنة أخرى تضاف إلى مجموع السنوات التي عشناها جميعا على هذا الكوكب .. لكل عام أحداث خاصة تميزه سواء على الساحة العالمية - و التي كان فيها 2016 الأسوء بجدارة في رأيي - أو على المستوى الشخصي لكل فرد , على العموم سواء كان جيدا أو لا فهو في النهاية سيمر و لن تبقى منه سوى بعض الذكريات و الدروس التي نأخذها معنا نحو العام الجديد فيعززها أو يمحوها ليستبدلها بدروس أخرى ستُروى العام المقبل في نفس هذا التوقيت ...
عكس الأعوام السابقة التي تميزت بالهدوء نسبيا , هذا العام تحديدا كان حافلا جدا بالأحداث و بوتيرة متسارعة أجبرتني على تعلم التأقلم و التغير السريعين .. و حتى الآن أعتقد أنني أبليت حسنا في التأقلم مع كل التغيرات , هذه مجموعة مختصرة من الدروس التي تعلمتها هذه السنة :
- هناك من يعتقد أنه أحسن منك لمجرد أنه جاء إلى الحياة قبلك :
هذا الأمر حقيقي تماما .. هناك من يرى أنه أفضل منك و أحق منك و أعلم و أذكى و .. و .. ليس لعمله أو علمه أو إنجازه ! بل فقط لأنه أكبر منك سنا .. هكذا ببساطة شديدة كونه جاء إلى الدنيا قبلك و عاش أيام أو سنوات قبل ولادتك الأمر يجعله تلقائيا يشعر كأن عليك الإلتزام حرفيا بكل كلمة و نصيحة يقولها حتى لو كان هو نفسه لا يفهم شيئا عما يتحدث عنه .. إنجازه الوحيد أنه خُلق قبلك حتى لو لم يعش حياة و خبرات تسمح له بإسداء النصائح لغيره هذه النوعية من الأشخاص لا تأخذ كلامهم على محمل الجد .. أظهر الإحترام و قم بما تراه صوابا أو خذ نصيحة شخص متمكن في مجاله حتى لو كان أصغر منك فالسن ليس مقياس للأفضلية
- غالبا سيحدث لك آخر شيء كنت تتوقعه أن يحدث فالحياة بارعة جدا في إدهاشك :
ذلك الأمر الذي تضعه الآن في ذهنك و تتوقع أنه آخر شيء سيحدث لك قد تستيقظ غدا صباحا فتجده بانتظارك , قد يحدث بعد سنة .. سنتين .. عشرين , و يمكن تشبيهها بذلك الأستاذ الذي نكرهه جميعا و الذي يختار جميع أسئلة الإمتحان من الدروس التي لم تتوقعها أو لم تحفظها أساسا ..
لذا لا داعي للتفكير بشكل مفرط فيما سيقع و ما لن يقع .. فلا أحد يستطيع عقد هدنة مع الحياة لذا كن مستعدا لمواجهة كل ما ستلقاه
- أكثر ما يحفز الإلهام هو رؤية شخص يحقق أحلامه التي إنتظرها طويلا حتى لو كانت مخالفة لما تعود عليه المجتمع :
أعتقد أننا جميعا نمتلك ذلك الصديق المجنون الذي يريد تحقيق أحلام غير مألوفة من قبل المجتمع .. تلك اللحظة التي يستطيع فيها أحد كسر حاجز المألوف - بشكل إيجابي طبعا - هي لحظة عظيمة بلا شك
في مرحلة دراستي الثانوية كانت لي صديقة كل أحلامها تتجسد في دراسة علوم الطيران .. هذا المجال بالتحديد يراه المجتمع هنا مجالا ذكوريا جدا لا تتوجه النساء إليه بكثرة .. كانت كلما تتحدث عن الأمر إلا و تلقى علامات إستهجان كثيرة حتى من قبل عائلتها نفسها التي كانت ترفض الفكرة كليا
في هذا العام إلتقيتها بعد غياب طويل جدا لأجدها تخبرني أنها تدرس الآن علوم الطيران و حلمها سيتحقق بعد جهد جهيد في إقناع عائلتها .. لم تكترث لما يراه المجتمع عن حلمها كل جهدها كان منصبا نحو ما تريد الوصول إليه
كنت فخورة جدا بها .. و أكثر ما أعجبني أنها لم تفعل كما تفعل الفتيات عادة بالجلوس في البيت أمام مسلسلات التلفاز و إنتظار عريس يجب أن يكون مهندسا أو طبيبا أو طيار ! .. بل خرجت بنفسها و اختارت الطيران
- لم أعرف أسوء ممن يتخذون قراراتهم بناء على الجانب العاطفي فقط :
الحديث يطول في هذه النقطة بالتحديد .. تتميز المجتمعات العربية أنها مجتمعات عاطفية - غالبا فلا يجوز التعميم - .. عندما تجد شخصا يحدد قراراته على الجانب العاطفي فقط مع تغييب كامل للعقل فاعلم أنك وجدت قنبلة بشرية من نوع مجهول قابلة للإنفجار في أي لحظة
أبسط مثال على ذلك هو أن يشارك صديق ما مشروعا مع صديقه فقط لأنه " صديقه " لا غير بدون دراسة معمقة للمشروع و حتى لو كان مشروعه ينذر بالفشل الذريع ..
الأمثلة كثيرة هنا .. فالحياة مملوءة بهذا النوع من الناس و الأسوء أنك إذا إستخدمت عقلك وسط مجتمع عاطفي في إتخاذ القرارات المصيرية ستبدو كائن غير بشري ...
يصح إستعمال العواطف - بإعتدال - في المواقف المناسبة .. لا أن نركن العقل إلى حالة سبات
- الإحترام صفة جوهرية تجلب معها تلقائيا كل الصفات الأخرى
و لا يتمثل هنا في تلك العبارات المنمقة و المعاني السطحية .. بل الإحترام بكل معانيه العميقة صفة لازمة جدا .. لن أقول أنها أساس العلاقات الاجتماعية لأن العلاقات الاجتماعية أساسها هو تكامل مجموعة من الصفات المهمة نقصان صفة يؤدي حتما إلى خلل ما ففي رأيي لا يمكن إختزال العلاقات الاجتماعية بكل تعقيداتها إلى صفة واحدة ...
الإحترام من الصفات الرائعة حقا .. بما يشمله من إحترام للذات أولا و إحترام للآخرين ثانيا .. يأخذ أبعاد كثيرة إذا ما تأملتها بشكل معمق ستكتشف أنها أعقد مما يبدو للوهلة الأولى
إذا وجدت شخصا يعي و يطبق هذا المفهوم فعض عليه بالنواجذ - ليس حرفيا -
- لا يحق لأحد كره ثقافة ما لمجرد أنه لا ينتمي إليها .. ولا الإعجاب بها لدرجة غير منطقية
كون ثقافة ما تبدو رائعة لك لا يعني بالضرورة أنها الشكل الوحيد الممكن للثقافة فتتبناها كما هي و تهضمها بقشورها ! .. و العكس صحيح تماما , كون ثقافة ما لا تبدو لك كنموذج يصح إتباعه فالأمر لا يستدعي كرهها و نبذها
تعامل مع الثقافات المنتشرة حول العالم بموضوعية و تقبل أن لكل واحدة مميزاتها المذهلة .. مع عدم إنسلاخك من هويتك و ثقافتك
هذا بعض ما لاحظته و عشته خلال هذا العام , مازالت القائمة طويلة .. هذا ما أتذكره الآن ..
عسى أن يكون العام المقبل عاما جميلا مملوء بالإنجازات للجميع
ما الذي قد تود إضافته من الملاحظات أو المواقف لهذه المجموعة من الدروس ؟
التعليقات