أعتقد أنه من الواضح للجميع أن العباقرة ممن عاشوا على هذه الأرض كانوا شخصيات شاذة بالنسبة للمجتمع، شخصيات تحررت من سلطة المجتمع فاكتسبت القدرة على رؤية لا يراها من هم في الداخل، وسبل ذلك التحرر كثيرة وكل إنسان منا لديه طريقته الخاصة، أو ما اعتدت أن أسميه "جنون" خاص به، أو هوس خاص به يخرجه عن المألوف، أغلبنا يخفي ذلك الجنون عن أقرب الناس إليه بغية البقاء في الجماعة وخوفا من الطرد منها وفي ذات الوقت لا نتخلى عن ذلك الجنون خوفا من أن نفقدأنفسنا وذواتنا في العقل الجمعي، خوفا من أن نفقد تلك الحرية التي اكتسبناها في لحظة إشراق معينة فتحت أعيننا على واقع جديد.

أرى آليات التحرر تلك -لا أعرف كيف أجمع كلمة جنون- ضرورية لي لأبقى على درجة من الوعي، أشبهها بحبل ما يصل لأعلى قمة الجبل، ونحن -البشر- متسلقون هذه الجبال، حبالنا تختلف من شخص لآخر، وكذلك الجبال تختلف من مكان لآخ، وبعضنا قريب من سفح الآخر وآخرون قريبون من السحاب، وما نتفق فيه جميعًا هو أننا متسلقون هذه الجبال إلى أجل مسمى، نقضي عمرنا كله نشقى في التسلق أحيانًا ونرتاح بإرخاء قبضتنا أحيانًا فتارة نقترب من القمة وتارة نقترب من السفح، قد نرتاح في مواضع راحة مختلفة على طول الجبال وبعد الراحة إما نكمل المسيرة أو يقرر البعض العودة إلى السفح مؤثرين راحتهم على التسلق نحو المجهول.

هذه هي الحياة، كلما تسلقنا أعلى كلما ازددنا وحدة وقلت نسبة الأكسجين ونحن نتسلق نحو المجهول، وكلما اقتربنا من السفح شعرنا بالراحة ووجدنا كثيرين مثلنا يؤنسون وحدتنا حينما كنا بالأعلى، ولكن يظل هنالك ثابت لم يتغير، وهو ذلك الحبل، ذلك الحبل الذي كان وسيظل ملازمًا لك طيلة حياتك، ذلك الحبل الذي لا تدري سبب وجوده ولا تجد معنًا لوجوده سوى أنك يمكن أن تستخدمه للتسلق، لا شيء آخر، معك حبل لا يمكنك استخدامه إلا للتسلق وهنالك جبل يمكن تسلقه، فهل ستفضل العيش عند سفح الجبل حيث الراحة والأمن أم ستقرر أن تخوض مغامرة مجهولة؟

البعض ينجح في تجاهل وجود هذا الحبل إلى درجة أن ينساه أغلب يومه، والبعض الآخر لا ينفك يفكر في ذلك الحبل أغلب يومه، كل حبل ذو طابع مميز وإن تشابهت بعض الحبال حتى أمكن تصنيفها في مجموعات، فهذه حبال أ وهذه حبال ب، وبعض الحبال على درجة من التميز حتى لم يمكن تصنيفها يوما، بعض الحبال مقيتة يكرهها الجميع والبعض جميلة يحبها الجميع ولكن لا يستطيع أحد أن يبدل حبله بحبل غيره.

أتمنى أن تكون الفكرة وصلت، فجميعنا لدينا ذلك الحبل المميز، قد نكون كارهين له كل الكره ولكن لا نستطيع أن ننكره، البعض يستطيع أن يتعايش مع ذلك الكره والبعض يستطيع حتى أن يحول ذلك الكره حبًا، ونحن نحكم على بعضنا البعض بتلك الحبال لذلك يحاول كل فرد إخفاء حبله وخاصة إذا كان من الحبال الممقوتة، والبعض يحاول أن يتباهى بحبله، والبعض الآخر يحاول تلوين حبله وتغييره بحيث يبدو كحبل آخر من الحبال المحبوبة، ولكنه لن يتغير يوما.

عودة إلى الكلام الواضح، هذه الحبال هي آليات تحرر من المجتمع، أو هي ما يميز كل فرد عن غيره، والجبل يمثل الحياة وكلما ارتفعت في الجبل ابتعدت عن المجتمع والعقل الجمعي وازددت وحدة وغرابة ومعاناة وفي نفس الوقت تكتسب رؤية أفضل لمن هم في الأسفل، وكلما اقتربت من السفح كلما ازددت أمنا وأنسة وسهلت حياتك وقصرت رؤيتك فلن يمكنك أن ترى المجتمع كمن يراه من أعلى، والسؤال هو: ماذا ستفعل بهذه الحبال؟ هل ستتسلق الجبل؟ ولماذا؟ أم ستفضل أن تعيش حياة طبيعية كالأغلبية عند السفح؟ هل ستتجاهل هذا الحبل؟ أم ستستعمله مرات قليلة كنزوات خلال فترة حياتك؟ هل يحق لنا الحكم على حبال الآخرين؟ هل يحق لنا منع الآخرين من التسلق؟ فقد يقولون لك ما لا تحب سماعه او ما قد تسميه "كذبا" عن حقيقة المجتمع كما رأوه من أعلى ويدفعون الأطفال للتسلق وما يتبعه من فسق وفجور، هل يمكن التعايش مع كل الحبال؟ وأخيرا هل تود الإفصاح عن الحبل الذي تملكه؟

يجب أن نعلم أنثمن الحرية كبير جدا، فالانتماء للجماعة يحرر المرء من أعباء فكرية ونفسية كثيرة، والخروج على الجماعة ينتزع منك ذلك الشعور بالأمان فتعيش في قلق مستمر، لذا قد يفضل الكثير من العبيد العبودية، ويفضل أغلبية البشر حياة بسيطة لا تفكير فيها، وهذا ليس عيبا بل هو أمر طبيعي فالبشر يختلفون في مفهوم السعادة، والأغلبية ترى السعادة في السفح وقلة ترى السعادة في القمة والمصلحون هم من يقفون في المنتصف ينقلون كلام من بالأعلى لمن هو أسفل ومن هو أسفل لمن هو أعلى، وهكذا عاشت وستعيش البشرية وعلى كل امرئ أن يحدد موقعه من الجبل وكيف سيقضي حياته، فالبعض لا يتحملون قسوة ما قد يتعرضون له إذا اقتربوا من القمة وبدأ من هم بالأسفل يرمونهم بالحجارة حتى يسقطوا -لا أدري صراحة ما هذه القوة التي ستوصل الحجارة لقمة الجبل ولكن تخيل- فيسقطون، والبعض يصدمون حتى آخر لحظة في حياتهم البائسة، هؤلاء هم الغرباء عن المجتمع ولا تستغرب فكثير مما تعتبره اليوم طبيعيا كان غريبا يوما ما.

يمكنك الاطلاع على هذين الموضوعين لأن لهم علاقة بموضوع اليوم:

قررت أن أكتب في هذا المجتمع حتى لا أغضب حماة مجتمع ثقافة الذين يطاردون المرء إذا كتب في ذلك المجتمع أكثر من موضوعين.

أنصحكم بهذا الفيديو قد لا يكون له علاقة بالموضوع إلا في ٢٠ ثانية فقط من مدة الفيديو، ولكن الفيديو بشكل عام ممتاز