لطالما شاهدنا في الأعمال الدرامية ذلك البطل الذي يعيش في عائلة مضطربة بسبب وجود شخص سيء فيها، يفسد ود الأخوة وينغض عليهم حياتهم ، بشكل يدفع أحدهم للهرب للتخلص من هذا الكابوس، وهذه لم تعد حبكة درامية، بل أصبحت حقيقة في بيوت عدة، يوجد شخص أو أكثر، يستلمون دفة النكد والمشاكل، ويحولون الحياة داخل تلك العائلة إلى لحظات ترقب وأسى مهددة بمزاجيته وتحت رحمته، وهنا نسأل:
هل المطالبة بحياة هادئة في مثل هذه الحالة من خلال الرحيل إلى مكان مختلف، يهدد قيمة الأسرة وكيفية نظر الناس إليها في المجتمع فعلا؟
مصطلح عيش الكابوس ومصطلح القيم الأسرية لا يلتقيان, لأن هذا سيحيلنا لتعريف ما هي القيم الأسرية؟ هي العيش في تكافل واحترام وأمان وسلام وود و و و .... بين أفراد الأسرة, وبالتالي إن انعدمت هذه القيم فلا يمكن أن نحكم على من يقرر "الهرب" كما وصفتِ على أن اختياره يهدد قيم الأسرة.
أين قيم الأسرة بأسرته أصلا؟
وكما نقول في مثلنا العامي ما من قط يهرب من دار العرس.
الأسرة هي مجتمعك الأول وعالمك المصغر الذي منه ستفهم العالم وتتقبله فلو كانت العائلة هي المجتمع السليم فلن نحتاج إلى عناوين ومصطلحات لقيم الأسرة وخلافه أما لو كانت البيئة غير سليمة فالهروب منه هو القرار الصحيح حتى لو ستعيش في عالم مختلف كليلا عليك.
أتفق جدا مع هذا الطرح .
لكن إنشغالي الأساسي هو بأثر هذا الإنسحاب على العائلة نفسها، لأن المجتمع سوف يرى أن فعل كهذا يُلحق العار بصمعة العائلة المتروكة، وفي أحسن الأحوال قد يتسبب هذا في إكتئاب أشخاص منها أو إصابتهم بأمراض خطيرة مثل السكري والضغط أو أومة قلبية...الخ .
هذا في المجتمعات الضيقة الأفق وليس له علاقة بدولة وعالم ثالث وهذا الكلام فنفس الكلام كان وما زال يطبق في المجتمع الياباني وخاصة كبار السن منهم متمسكين بالعادات القبلية القديمة ولكن في العالم الحديث الذي نعيشه فمكانك الذي تأمن فيه هو مسكنك ولا يهم برأي أين هذا المسكن ومع من، ولا أرى أن المنسحب مسؤول عن شيء في هذه الحالة ما دام ابتعاده لحياة أفضل له وأنه كان مظلوما في بيئته الأم.
نعم ما من قط يهرب من دار العرس وهذا مثل مغربي جميل اعتبر به دائما.
لكن أحيانا لا تسير الأمر بهذه الطريقة، أحيانا القط الهارب قد يتسبب في تشويه نفسية القطط الأصغر منه فتعيش حياته بعده خائفة مليئة بالعقد، ربما يتسبب هربه في مشاكل نفسية لحبيبته المتروكة هي الأخرى...الخ ، بلغة أخرى نسأل ألا يترتب عن الشخص الترك مسؤوليات وأخلاقيات معينة بهذا الفعل؟ هل سيكون مذنبا مثلا إذا تسبب تركه للأسرة مرضاً خطيرا لأحد الأفراد مثل أن يصاب أحد الأبوين بجلطة أو ارتفاع ضغط دم؟ هل يمكن أن نلقي عليه اللوم في حال تسبب تركه في عقد نفسية لأخوه الطفل مثلا الذي ستبنى حياته النفسية كاملة على هذا الحدث؟ هل نلومه عن طلاق امرأة في عائلته بسبب فساد صمعة العائلة بسبب تركه؟؟
كل هذه أسئلة جديرة بالتفكير، فما رأيك أنت يا جواد؟
نحن نتحدث من الناحية المبدئية! يحق للإنسان الرحيل عن بيت العائلة منفردا إن كان يعاني بها نفسيا أو من أي شكل من أشكال المعاناة, مادامت القيم الأسرية لا تتحقق, فالأسرة هي أمان وسلام للمرء وليست معاناة, أما قضية المسؤوليات والأخلاقية فيتم تقديرها ووزنها حسب كل حالة منفردة قبل أن نخرج بحكم أخلاقي على فعل الأفراد.
يمكننا أن نفكر في موضوع ومثال آخر وهو الزواج, إذ أن من قوانين المجتمع التي يحرص عليها الكل, أن تتزوج الفتاة وترحل من بيت أهلها لبيت الزوجية , هذا حكم عام مبدئي للمسألة, لكن قد لا يكون من الأخلاقي بالنسبة للمجتمع أن تتزوج الفتاة وترحل مع زوجها تاركة أمها المريضة بالسرطان وحيدة أو أن تضع الموظفة المرموقة اخوتها الصغار بدار الأيتام لتتزوج... سيتم وصمها من نفس هذا المجتمع بالأنانية وانعدام الرحمة والعقوق واللاأخلاقية وهلم جرا.. رغم أنها فعلت نفس السلوك الذي فعلوه هم ذات أنفسهم.
وبالتالي فالحكم يكون على كل حالة منفردة وهذا لا يسقط الحكم العام بمدى صواب أن يرحل المرء عن الأهل هربا من المعاناة.
هناك مسلسل سوري أحبّه جداً اسمه "الندم" يحكي قصص كثيرة من الواقع السوري المعاصر للحرب، المهم واحدة من هذه القصص قصة لشاب اسمه سهيل يقوم والده حرفياً بالتنغيص عليه بحياته في موضوعة أخوك وأخوك، أي يقارن بينه وبين أخيه بطريقة خاطئة وسيئة، يتحمّل كثيراً هذا الشاب قبل أن يتخذ قرار يراه أنهُ يصب في صلب حياته وهناءها وهناء الجميع في أن يسافر ويبتعد عن هذا الجو. إلى الآن الموضوع طبيعي، أين المشكلة؟
المشكلة في الندم، وهنا لا أتحدّث عن المسلسل، ولكن عن الشعور، حيث لا بد أنّ من سيخسر هكذا خسارة كبيرة لمحيطه سيندم عاجلاً أم آجلاً، سراً أم علناً، لماذا؟ لإنّه لم يخرج من هذا المحيط بدعوى حقيقية تستأهل فعلاً، خرج منها بإرادته، وكل فعل تأخذه الإرادة بشكل مشابه في هذا الباب سنراه خاطئ بعد فترة ولذلك علينا أن نعمل حساب كبير لمسألة المشاعر والندم قبل أن نقدم عليها ونعرف بأننا سندفع الثمن أيضاً، وهو ثمن منطقي للهروب.
أخيراً أحب أن أقول بأنّ هذا سهيل بالمسلسل حرفياً يشعر بذات الشعور حين يعود، نراه يجلس على عتبة باب بيته بعد وفاة أبيه ويقول: حاسس بالندم!
تلك الحالات التي تصفينها تعكس واقعًا صعبًا يمكن مواجهته في بعض الأحيان في الحياة الواقعية، فالشخص الذي يعيش في بيئة عائلية مضطربة بسبب وجود شخص سيء قد يشعر بضغط نفسي كبير وقد يفكر في الرحيل للهروب من هذه الأوضاع السلبية، وقد تكون المطالبة بحياة هادئة وسلمية من خلال الرحيل إلى مكان مختلف هي خطوة ضرورية للحفاظ على الصحة النفسية والعقلية للفرد، خاصة إذا كانت الأوضاع غير قابلة للتحسين أو الإصلاح، هنا قد يكون الرحيل هو الحل الوحيد للتخلص من الضغوطات النفسية والعيش في بيئة أكثر صحة واستقرارًا.
لكن من الجانب الاجتماعي، قد تؤثر المطالبة بالرحيل عن الأسرة في بعض الأحيان على قيمة الأسرة وكيفية نظر الناس إليها في المجتمع، ولكن في النهاية، يجب أن يكون الأولوية لصحة وسلامة الفرد وعائلته.
رأيي بهذا الموضوع قد يحتمل المهاجمة ولكن سأقوله
المدمر الأول للشخص هو عائلته أتفق مع هذه الجملة وأراها واقعية كثيراً، فحين يكون هناك شخص سام بالعائلة فهو بذاته، يعكر صفوها ويهددها، تماماً كاللون لو أضفته للماء سيتعكر
فلذلك لا نجري وراء الأوهام وخاصة إن كان هذا الشخص ساماً ويتمادى في ظلمه وجبروته
المعظم الآن يرى المشاكل بصورة مختلفة، هناك من يرى مجرد خوف أهله عليه تحكم وهناك فعلاً من يقع عليهم الظلم والإهانة والضرب
لذلك أرى أن الشخص حين يقرر مثل هذا القرار يكون لأسباب منطقية ويكون وقتها واثقاً من قدرته على تحمل نفقته الشخصية.
لا أرى أي مانع في أن يترك أي شخص عائلته حتى لو كان مجرد رغبة دون أي أسباب أخرى.
طبعا الترك هنا له مستويات، ولا نتحدث عن الترك بمعنى قطيعة، بل اختيار العيش في مكان مختلف دون الحاجة إلى الإحتكاك المباشر معها بكل دائم، مارأيك في هذا يا خالد هل لديك رأي آخر؟
اتفق وبرأيي كل شخص يحتاج للاستقلال في مرحلة من حياته لأن لكل شخص متطلبات وخصوصيات وحياة، لذلك فأنا أدعم الشخص الذي يبحث عن الاستقلال. وطبعاً ضد القطيعة، لأن هذا لايجوز
ولكن أنا أشدد على نقطة مهمة وهي أن العائلات ليست كلها جميلة كما يظن البعض وهناك العديد ممن تقسو عليهم عائلاتهم وتؤذيهم أفظع أنواع الأذية، ولكن بعيدا عن هذا الجزء
يمكننا التركيز على فكرة الاستقلال.
أنا لست مع ترك العائلة لأي سبب كان ,وأعتبر ذلك هروب من الواقع وخوف من الناس وضعف شخصية أيضًا مهما كان الأمر سيئًا، فإذا قام كل شخص بالتنصل من عائلته لمجرد وجود مشاكل فيها أو شخص سيء فيها ذلك يعني انهيار معظم العائلات وانهيار الروابط الاجتماعية وانهيار المجتمع ككل خاصةً أننا في بيئتنا الشرقية ما يميزنا عن الغرب هو الترابط الأسري القوي لكنني أرى أن الإعلام وما ينشر ه من مسلسلات وأفلام خاصةً في السنوات الأخيرة هو يعزز فكرة التشتت العائلي لأنه يسلط الضوء على القضايا السلبية ويضخمها ويتعامل معها بأسلوب مغاير للفطرة والأعراف والقيم الإنسانية كما يحدث في معظم مسلسلات محمد رمضان.
المعضلة أصبحت أعمق من مجرد تأثر بالأفلام والمسلسلات يا وائل.
المسألة لها علاقة مباشرة بمستوى الوعي وطلب الحرية من شخص لأخر، اليوم حتى مع التقدم المعرفي والتقني المهول الذي وصلنا إليه مازالت هناك نساء تنشي برجل معنف، وتعتقد أن الرجولة في الضرب ، بل ومن النساء من تقول أن الرجل الذي لا يرضربني لن أتزوجه ولا أعتبره رجلا، يا رجل هناك من هؤلاء من تجد في ذلك جادبية لا تقاوم وهذا غير معقول.
أمرأة كهذه يمكن أن تجدها في أطراف المجتتمع بوعي جد منخفض واستحقاق متدني للذات بشكل يشوه منظورها للحياة، الأمر نفسه بالنسبة لمسألة ترك العائلة، فالاستحقاق المنخفض لشخص يملك كل مقومات العيش بمفرده أو العيش في مكان أخر بعيدا عن كوابيس يفرضها عليه آخرون، يجعله حبيس الوضع .................. نحن لا نتحدث عن الترك بدون أسباب جذرية نحن نتحدث عن ترك سببه الأول هو إنعدام الحياة داخل تلك الاسرة واحتمالية الاصابة بأمراض من جراء الضغط النفسي الناتج عن المشاحنات الدائمة داخلها.
وحتى في حالة عدم وجود اسباب سلبية،أعتقد أن إرادة الشخص ورغبته في الترك وحدها كاف جداً للقيام بهذه الخطوة دون أي حرج.
بالنسبة للمثال الذي طرحته حضرتك فبالتأكيد هناك نساء بتلك العقلية لكنهن ليست سويات نفسيًا وبحاجة لعلاج لأن أي امرأة ترضى ذلك على نفسها هي فاقدة للأهلية أما بخصوص ترك العائلة فأتفق معك أن هناك ظروف قاهرة وعائلات مدمرة نفسيًا لأفرادها ولكن ما زلت أؤمن بأن أي شخص قوي وناضج واستطاع التحرر من عائلته يستطيع أن يغير كثيرًا من طبيعة عائلته ويحطم تلك القيود التي تسودها وأنه حتى لو ابتعد سنوات ولو كان في آخر بقاع الأرض فإن ذلك لن يعفيه من مسؤوليته تجاه عائلته ومحاولة تغييرها وربما يكون الابتعاد فرصة لترتيب أوراقه من جديد واستعادة طاقته لا أن يبتعد نهائيًا ويتنصل من مسؤولياته.
وربما يكون الابتعاد فرصة لترتيب أوراقه من جديد واستعادة طاقته لا أن يبتعد نهائيًا ويتنصل من مسؤولياته.
أتفق مع هذا تماما، الابتعاد هو فرصة للمحاسبة واعادة ترتيب الحياة لا للقطيعة التامة .
أثرت مسألة مهمة جدا يا وائل وهي المسؤولية تجاه الأسرة، تظهر في مجتمعاتنا اليوم مشكلة عويصة وهي مفهوم العائلة أصلا، لم يعد للعائلة مفهوم ثابت وواضح ولا حتى معترف به، يمكن أن تلاحظ هذا بسهولة عند الحديث مع شخص متزوج ، سيقول أن عائلتي هي العائلة الجديدة الزوج أو الزوجة والأولاد وفقط، أما عائلته الأصلية فيتخلى عنها تدريجيا، خصوصا إذا كانت متطلباتها تتعارض مع العائلة الصغيرة .
الأن يجري نفس الشي في بقية الأمور لكن بمسميات أخرى ، فالعازب تصبح عائلته هي العمل، ومستعد أن يتخلى عن العائلة الأصلية إذا تعارضت مع العمل بشكل عادي....الخ
لذلك تجدين أن الإسلام ركز كثيرًا على موضوع بر الوالدين وطلب إطاعتهما إلا في ما لا يرضي الله لأن برنا بآبائنا هو ما يحفظ الأسرة من التشتت والضياع قبل كل شيء فنحن مطالبون بالبر حتى في حال إساءة آبائنا لنا.
مسألة بر الوالدين في حد ذاتها اليوم أصبحت مشكلة تحتاج النقاش الموسع .
هل فعلا كل الأولياء يستحقون البر فقط لكونهم آباء بيولوجييين أو مربين؟
هل يبر الوالد الظالم لأنائه رغب كونه شخصاً سيئا لهم؟
هل البر هو الإحترام أم الطاعة أم الحب، وهل نحن مجبرون بهذه الأخلاقيات أمام شخص ما فقط لأن سلطة الأبوة علينا حتى وإن كان ما يمارسه علينا ينافي أخلاقيات الأبوة الحقيقية مثلا ؟..................... هذه أسئلة وأكثر تسؤل اليوم في إطار الحديث عن مفهوم بر الوالدين .
بالتأكيد هناك استثناءات وهناك فتاوي خاصة لمثل تلك الحالات لكن أقصد البر بالمفهوم العام تجاه أبوين حاولا جاهدين تربية أبنائهم وسد احتياجاتهم لكن ربما لم يوفقوا بأساليبهم وأخطأوا تجاههم عن غير قصد أما الآباء الذين يتعمدون إيذاء آبنائهم فقد انتفت عنهم صفة الإنسانية قبل أن تنتفي صفة الأبوة.
التعليقات