أرى هذا دائماً في مجتمعي، على الأقل في سوريا، آباء يحرمون أبنائهم حق الورثة القانونية، يحرم ابنه بناءً على مشكلة شخصية وأحياناً بسيطة أيضاً ومتعلّقة بالطاعة التي أحياناً يشذّ عنها الابن في قرار ما بحياته، يحرم الأب ابنه من الورث، الآن بعد وفاة الأب، أتسائل، حين البدء بمرحلة توزيع الورث، ما الموقف الأمثل الذي يجب أن يتخذوه الأخوة اتجاه هذا القرار؟ هل يجب احترام رغبة الأب؟ أم تجاهلها؟
حرمان الأب توريث ابنه، رغبة يجب أن تُحترم
وبما أننا مجتمع سوري وهو مجتمع إسلامي أرى أنه لا يمكن لاب أن يفعل ذلك لأن الوراثة تعد من الحقوق المالية المقرّة بالقرآن والسنة، ولا يجوز للوالد حرمان أحد أبنائه من حقه في الوراثة بسبب مشكلة شخصية أو غيرها ، إلا إذا كان يعلم أنه ضائع فهنا للاب الحق في هذا .
لا أحب تحويل النقاش إلى نقاش ديني، لكن بالمناسبة حتى الوصيّة أيضاً من ضمن هذه الأمور التي تُعدّ حقاً أيضاً للأب في الدين، ولذلك ذكرت الأمر، لإنّك تضيع أيضاً بين حقّين مضمونين، حق للأب وحق للابن، من هنا يصدر الإشكال، ومن هنا قد يبدأ أي خلاف، وبالنسبة لآخر عبارة ذكرتها حضرتك، كل أب عند أي مشكلة كبيرة مع ابنه سوف يعتقد بأنّه ضائع وضال ولا يستحق هذه الميزات في حياته.
أعتقد أن العديد من الأعمال الدرامية والأفلام بُنيت على هذه المعضلة، فإما بتمييز واحد من الأبناء على الآخرين بمنحه نصيب أكبر أو منع واحد بعينه.
بعض الأمور لا تُناقش إلا من منظور الدين والاعتقادات، وهذا الموضوع بصراحة واحد منها. الأمر حرام شرعًا بدون نقاش، وهذا يعني أن الأب سيلقى جزاء ما فعل في الآخر. هذه هي النقطة الأولى.
وإذا أردنا خلق بُعد اجتماعي لهذه القضية عنوة؛ فسنجد أننا سنصل لنفس النتيجة، وهي أن تجاهل رغبة الأب ووصيته ضرورة. لا شك أن تنفيذ الوصية سيخلق كراهية وحقدًا بين الأبناء، والأب قد مات أصلًا فما فائدة التعامل كما لو كان حيًا وأمره نافذ! الأب أصبح غير موجود ليغضب على الأبناء الذين لم ينفذوا وصيته.
والأب قد مات أصلًا فما فائدة التعامل كما لو كان حيًا وأمره نافذ! الأب أصبح غير موجود ليغضب على الأبناء الذين لم ينفذوا وصيته.
تُلفتني هذه العبارة فعلاً في علاقتنا مع أهالينا وخاصة آبائنا في المنطقة العربية، في المنطقة العربية خاصةً، حيث علاقتنا من الواضح أنّها تُبنى على الخوف والغضب لا على المحبّة والتقدير، لذلك سؤالي لحضرتك، هل كلمة الأب تصبح بلا قيمة في حال وفاته؟ هل قيمة الأب وكلامه قيمة مصونة فقط في حال كان قائماً عليها؟ وهنا سؤالي يأتي عاماً لا خاصاً فقط في هذه المسألة.
منذ فترة غير بعيدة سمعت عن حصول نفس الأمر مع أحد معارفي والذي بالفعل حرمه والده من الإرث والذي هو أبسط حقوقه. وقد كان كل ذنبه أنه تزوّج من امرأة لم يكن أباه راضٍ عنها. ولكنني فكّرت مليّا، هل الأخلاق والقيم تجيز له هذا الفعل؟ ومتى كات الحرمان من الإرث حقّا من حقوق الوالد إذا لم يكن راض عنه؟ لقد صرت أتعجب جدا من هذا الأمر. ولو كان الأمر باليد لكان غير الاعتراض غيّر من الحال. إلّأ أنّ المشكلة هي أنّ ديننا لا يجيز الاعتراض على وصية الميت لذلك فلا يمكن الاعتراض عليها .
هذه مسألة صعبة، أنا لا أريد أن نحتكم فيها بناءً على المعرفة فقط، بل على العاطفة أيضاً، هل يمكن أن تحلّ المعرفة مكان العاطفة أيضاً! كمثال لتوضيح مقصدي: في حال نحن نعرف أن الأخ هو رجل طيّب وأن الأب أساء فهمه، هل يمكن لمعرفتنا في حال كانت قانونية مثلاً قابلة للإنفاذ، أن تجعلنا فعلاً موافقين على حرمانه من ورثته ونحن نعلم أصلاً بأنّهُ مظلوم؟ أيّهم يجب أن نغلّب في هذه المسائل العاطفة أم القانون؟
. وقد كان كل ذنبه أنه تزوّج من امرأة لم يكن أباه راضٍ عنها
موانع الإرث في الدين الإسلامي ثلاث وهي القتل والرق واختلاف الدين، أما بالنسبة للقتل فالقتل لا يرث النقتول وأما الرق فالعبودية تمنع الإرث وأما اختلاف الدين فهو واضح؛ ألا يرث مسلم كافر.
أما فيما عدا ذلك،فالأرجح تأن الزواح ليس ذنبا يحرم الإرث، كما أجد أن حكم الميراث بيد الله وحده لا شريك له وليست بيد الأب يحرم من يشاء ويهب لمن يشاء.
ما الموقف الأمثل الذي يجب أن يتخذوه الأخوة اتجاه هذا القرار؟
إن كان هؤلاء الاخوه يتقون الله ويسعون لتطبيق شريعته فلن يعتدوا بقرار أبيهم المتوفى، إستنادا للحديث النبوي القائل .. "إنَّ اللهَ أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ؛ فلا وصيَّةَ لوارث".
أما إذا كان همهم الأول هو تنفيذ الوصية وبِرّ والدهم ـ حسب ظنهم ـ فسيقومون بحرمان أخيهم من الميراث، لكنهم بذلك قد يخسرونه للأبد؛ فمشاكل الميراث لطالما كانت من الأسباب الرئيسية لفساد القرابات!
لكنهم بذلك قد يخسرونه للأبد؛ فمشاكل الميراث لطالما كانت من الأسباب الرئيسية لفساد القرابات!
لا يجب الاحتكام وفقاً للعبارة التي صغتيها حضرتك الأن برأيي، المسألة في مواضيع الحقوق ليست عاطفية بالمقام الأول، هي حقوق وحقوق صلبة أيضاً، لا يمكن أن اضع في اعتباري أمور العلاقات ومن يحزن ومن يفرح في هذه الأمور المعقّدة المجرّدة المتعلّقة بالأرقام لا بالقلوب، ولا حتى أيضاً بناءً على الحاجة، الأمر يحتاج تفريغ القلب من توجّهاته وإعمال العقل في تنفيذ أقرب للصواب.
حين البدء بمرحلة توزيع الورث، ما الموقف الأمثل الذي يجب أن يتخذوه الأخوة اتجاه هذا القرار؟ هل يجب احترام رغبة الأب؟ أم تجاهلها؟
اعتقد ان المسألة شخصية تماما، من حق الاب ان يحرم ابنه كما من حق الاب ان يرفص اباه، في النهاية المسألة حرية شخصية في علاقة بين شخصين ناضجين قانونيا.
لكن على مستوى قانوني الامر يختلف حسب قانون كل بلد ، في قانون الجزائري يحق للاب ان يمنع ابنه في حالة واحدة عندما يكتب وصية بذلك ، على أن يكون الملك له فعلا، أما اذا لم يترك وصية تثبت فسوف يأخذ قسطه بشكل عادي.
لا أفهم للصراحة هذه الاختلافات بين الدول العربية للصراحة في مسألة يجب أن تكون واضحة جداً بسبب احتكامها إلى مصدر تشريعي واحد، ففي سوريا مثلاً الوصية يتجاوزها الناس مباشرةً دون الإعمال بها في الكثير من الأحيان، ويقوموا باقتسام الورثة متجاهلين أي ورقة قد تخرج من أي محامي ولو بطرق رسمية، على أنني أميل إلى طريقة الجزائر في الأمور للصراحة، هذا الأفضل.
هل بالفعل خلود، في الجزائر يمكن إسقاط حق وارث في الإرث، بمجرد كتابة الوصية والتنصيص على الحصص بحيث لا يبقى شيء للوارث. خاصة أن الجزائر دولة إسلامية، وتستند إلى الشرع الإسلامي في قوانينها، والوصية لا تجوز في أكثر من الثلث، ولها شروط محددة : أن يكون الوصي في صحة جيدة يتمتع بكامل قواه العقلية والنفسية، أن لا يكون على فراش الموت أثناء كتابة الوصية، وأن لا تكتب الوصية تحت التهديد.
إذا كان الأب مسلما، ولجأ إلى حرمان ابنه من الميراث، بسبب سوء تفاهم، أو خلاف بين الاثنين، فلا بد يعلم أنه فعل محرم، ولا يجوز احترام وصيته، لأنها خارجة عن الشرع الإسلامي، زيادة على ضرورة إبعاد الكراهية والحقد بين الإخوان.
أما إذا كان الأب علمانيا، فهو فعل يندرج في إطار الحرية الشخصية، ويجب احترام رغبته، ولو أنه فعل يستحسن تفاديه، لما يخلفه من انهيار علاقات القرابة والأخوة.
أما إذا كان الأب علمانيا، فهو فعل يندرج في إطار الحرية الشخصية، ويجب احترام رغبته، ولو أنه فعل يستحسن تفاديه، لما يخلفه من انهيار علاقات القرابة والأخوة.
لا أفهم طريقة تفكير حضرتك للصراحة، هل القانون يفرّق بين العلماني والمسلم؟ هل يوجد أي صفة في أي دولة تُسمّى علماني؟ يمكن تسجيلها على البطاقة الشخصية؟ بالتأكيد لا، الكل يحتكم بالدرجة الأولى إلى قانون البلاد ومرجعياته الخاصة، سواء كانت تشريعية وشرعية، وبالتالي لا يوجد حالات نهائياً، يوجد حالة فقط، حالة البلاد قانونياً التي يعيش بها الشخص والبيئة التشريعية التي تحتضنه.
أكيد القانون لا يفرق بين الأفراد على أساس عقائدي، وإنما قصدت إذا كان المرء ينتمي لدولة علمانية، فله كامل الحق في التصرف في ماله قيد حياته وبعد مماته بموجب القانون والتشريع، وحتى إن أراد أن يتبرع بكل ماله لجهة خيرية، ما عليه إلا أن يكتب وصيته ويوثقها، وما على الجميع إلا تقبل فعله واحترام رغبته، والعمل على تنفيذ وصيته دون التفكير في الورثة.
من يقضي بثبوت هذه الصفة؟ هنا وبهذا السؤال ينتهي كل شيء وتبدأ الفوضى برأيي، من ذا الذي يعتقد نفسه بأنّهُ صالح فعلاً على الحكم على إنسان بما يعرف فعلاً من علاقة بين الاخ وبين الأب؟ ما الذي يدري المُحكّمين فعلاً بأنّ العلاقة كانت مختلفة تماماً عما يروا وبأنّ لها جوانب أخرى؟ لا أحد يدري ولذلك هذه العبارة التي ذكرتها حضرتك أعتقد بأنّهُ من الصعب الاستناد عليها في فصل هذه المسائل.
التعليقات