حياكم الله أصدقائي^^

كانت امرأة قوية صلبة، كلامها لايُردّ، يهابها الجميع، تقف صامدة كالطود، كافحت بعد وفاة زوجها ولم تستسلم أبدا.

كانت تُخفي الطفلة الصغيرة بداخلها، ولم تسمح لها يوما بالظهور، ظلت تركض خلف أبنائها لتُزوّجهم، وترى أحفادها.

تعانقهم، وتُقبلهم كثيرا، وتُسكن أنين الطفلة بداخلها بضمّهم إلى قلبها لإسكات بكائهم.

حين توفيّ زوجها انهار الجميع، انهار أولادها وبناتها، لكنها كانت تردد دائما لقد كان رجلا طيبا

والموت لا يأخذ الأشواك، يأخذ وردة...

كانت تقصد أنّ الموت يختار الأشخاص الطيبين، يأخذهم من قلوب أحبابهم ويترك في مكانهم فجوة فجوة لا يسدُها أحد.

فجوة تكبر كل يوم حتى تبتلع صاحبها، تبتلع قلبه وروحه وتُحيله إلى شبح يعد الأيام وينتظر فناء جسده.

أما روحه فقد أفناها الحزن والحنين وتكالبت عليها الذكريات والأشواق، فتصدعت وتساقطت…

كانت مبتهجة طول الوقت، كلامها لاذع لا ترحم أحدا بلسانها، أقوالها قاسية لكنّ أفعالها تتدفق حبا وحنانا.

كان لتلك الجدة المقدسة بستان فواكه، كنت أراقبها وهي تعتني بالأشجار كصغارها، تسقيهم من حبها وتقلّم عنهم الحشائش الضارة بأهدابها.

من يراها ترفع أغصان شجرة الرمان، وتربطها بعناية حتى لا تنكسر من ثقل الثمار…

وتسند شجرة التين بأعمدة لترفعها عن الارض حتى لا يكسرها الأطفال، يتمنى لو كان غصنًا بين أناملها الدافئة.

كنت أراقبها وأنتظر متى يأتي دوري، لتمسح رأسي بكفّ حنانها وتقوّم اعوجاج روحي بمحبتها.

كانت جدة وأما وامرأة بنكهة الجنة، قسوتها المزيفة لم تخدعني يوما.

كنت أرى قلبها الطري مهما قست قشرتها، كل ذلك كان قناعا لتحفظ كرامتها وتبقى كتفًا صلبًا يسند أبنائها.

أصبحوا رجالا ونساء لكنها لازالت تحمل همهم، وتبكي بعدهم.

كنت أرى أنّ الجدّات على أنّهنّ بركة الله في الأرض، يخطنَ لنا أثوابًا تقينا هجمات الأحزان من محبّتهنّ، لهنّ منبع عطاء لا ينضب.

البيت الذي تكون فيه جدة يكون مُضاءً حتى في انقطاع الكهرباء، دافئا حتى في صقيع الشتاء، تزوره الخيرات كل ليلة، حتى خيوط الشمس تتسابق لتعانق حيطانه.

أنا لم أعرف هذا حتى غادرت جدتي، حين غادرتنا أصبحت غرفتها باردة لن تشعر بالدفئ فيها مهما حاولت، مكانها أصبح مهجورًا حتى العناكب هجرت المكان…

كنتُ أرى مكان جدتي في ذبول ابتسامة أبي صباح كلّ عيد، كنت أرى فؤاده الفارغ أستشعر اليُتم في صوته وأسمع صدى الفقدِ في قلبه…

في كل عيد تزورني تلك النسمة الباردة فتأخذ كن كل شيء بريقه، ليبقى كل شيء بعدها باهت …

حتى الأشجار ذبلت وجفّت أوراقها قبل القلوب، سُرِقت من بيتنا البركة بعد رحيلها، قلّ عدد الضيوف تدريجيًا…

الجدّآت بركة البيوت، وما إن يرحلن حتى تصبح أشبه بالمقابر.

هذه قصة قصيرة نشرتها من قبل، وأردتم مشاركتكم اياها فلا تبخلو بنصحكم وآراءكم؟