لم تنتهي القصة بعد ، في الزاوية المجاورة للمنزل جلست في الصباح البارد الفتاة الصغيرة ذات الخدود الحمراء ، وعلى وجهها ابتسامة كان الجميع يضن أنها ميتة ومتجمدة ليلة الاحتفال برأس السنة من ذلك العام. صعد صباح رأس السنة الجديدة فوق الطفلة الصغيرة التي كانت جالسة مع أعواد الثقاب المنطفئة ، والتي كان اعادة إحراقها مستحيلا . أرادت الاحماء! و الدفئ!

كان الجميع يضن ان بائعة الكبريت رحلت مع جدتها العجوز من أجل فرحة العام الجديد! لكن ذلك لم يحصل ، لم تكن بائعة الكبريت تهلوس من شدة البرد بل كانت حقيقة !

بعد عود الثقاب الأخير ؛ أغمي على الطفلة الصغيرة ، و بصدفة بعد ساعات قليلة خرجت صاحبة المنزل متوجهة الى متجر الحلويات ، اذ بها تجد الفتاة الصغيرة مغمية و ترتعش من شدة البرد ، لم تقدر صاحبة المنزل على حملها لأنها كانت عجوزا كبيرة !

صرخت منادية حفيدها ، " أسرع يا أرثر ساعدني !"

أرثر " انها جدتي تصرخ ، ما الذي أصابها؟".

توجه أرثر مسرعا نحو الخارج ، وجد جدته بجوار المنزل و الطفلة متجمدة بين أحضانها ، بقيت الأسئلة تجول باله " من تكون هذه يا ترى ؟ ما هذا ؟" أصابت أرثر الصدمة للحظات !.

الجدة ماتيلدا " لماذا تراقبني ، أسرع و ساعدني في حملها لندخلها إلى المنزل ، بسرعة ...!" .

حمل أرثر و جدته الطفلة الصغيرة و أدخلاها الى المنزل ، لم تكن بائعة الكبريت مدركة لما يحصل من حولها ، كانت تعيش حلما و غارقة في عالم من الأوهام .

قامت الجدة ماتيلدا ؛ بوضع فراش جانب المدفئة و وضعت الطفلة الصغيرة عليه ، كانت الجدة يتملكها الذعر و الخوف من أن تفارق الطفلة الحياة .

أرسلت الجدة ماتيلدا ، أرثر الى المستشفى لإحضار الطبيب بينما كانت هيا تسارع الى المطبخ من أجل تحضير أكل ساخن يدفئ الطفلة المسكينة .

بدأت بائعة الكبريت تشعر بالدفئ و كان كل ما تحلم به يطابق الواقع الذي تعيشه ...، بعد مرور لحظات من الوقت .

رجع أرثر ، و الطبيب معه ؛ سيدي تفضل بالدخول

الطبيب " شكرا جزيلا لك" .

الجدة " مرحبا بك ، ايها الطبيب هذه حفيدة لقت انخفضت حرارتها كثيرا و لم نعرف ما العمل ".

طبعا كانت الجدة ماتيلدا ، لا تعرف شيئا عن بائعة الكبريت حتى اسمها مجهول كلياً ، من جهة اخرى خافت أن تكون متورطة في شيئ ما ، و ربما الطبيب سيقوم بإخبار الشرطة بذلك .

الطبيب " نعم سيدتي ، أنا هنا من أجلها و سأفعل كل ما بوسعي من أجل علاجها".

تقدم الطبيب نحو الطفلة الصغيرة ، كانت حرارتها منخفضة جدا !

الطبيب " لقد احسنتم صنعا بتقريبها من المدفئة ؛ لكن حالتها توحي أنها قضت ليلة كاملة في الجو البارد... لكن لابئس اضنها تجاوزت مرحلة الخطر ".

أخرج الطبيب من محفظته إبرة و منديل ...!

الطبيب " احضري لي القليل من الماء الدافئ من فضلك " .

الجدة ماتيلدا " طبعا ، سأحضره على الفور ".

كانت الطفلة الصغيرة تعيش حلمها رفقة جدتها دون إدراك لما يفعله الطبيب .

قام الطبيب أولا بإعطائها الإبرة ، لحظة شعورها بوخزة الإبرة !

أفاقت بائعة الكبريت من الحلم !

أين أنا ؟ من أنت ! ما الذي تفعله؟

الطبيب " لا تخافي يا صغيرتي أنا الطبيب ، جئت من أجل أن أعالجك".

كانت الطفلة لا تقوى على الحركة ، خائفة و مصدومة من ما هي فيه.

الجدة ماتيلدا " لا تخافي يا عزيزتي ، سيعالجك و تعودين كما كنتي ".

أخذ الطبيب المنشفة ، و وضعها في إيناء الماء الساخن ، قام بتنشيفها ووضعها على جبين الطفلة الصغيرة .

الطبيب " سيدتي حضري لها حساء ساخناً من فضلك".

الجدة ماتيلدا " لقد حضرته سابقاّ ايها الطبيب".

الطبيب " حسنا جيد جدا بعد أن تأكل الحساء ، اعطها هذا الدواء و ابقي بجانبها طول اليوم ، و ستشفى بإذن الله".

الجدة ماتيلدا " شكرا جزيلا لك ، سيدي ".

قدمت الجدة لطبيب واجب الضيافة و دفعت له حق العلاج .

الجدة ماتيلدا " أرثر رافق الطبيب الى الخارج عزيزي ".

أرثر " حسنا ؛ تفضل يا سيدي ".

توجه أرثر مع الطبيب نحو الخارج ، بينما ذهبت الجدة الى المطبخ

، جهزت الحساء الساخن في الصحن ، و توجهت نحو الغرفة لإطعام الطفلة الصغيرة .

الجدة ماتيلدا " افتحي فمك يا صغيرتي ".

كانت بائعة الكبريت ، في بداية الأمر خائفة و مرتعبة ، لكنها سرعان ما شعرت بدفئ و حنان جدتها بإحساس و ملمس حقيقيين ، بيدي الجدة ماتيلدا ؛ بدأ الوعي يعود إليها تدريجيا بعد تناولها الحساء الساخن بجوار المدفئة ، من بعدها تناولت الدواء الذي تركه الطبيب من أجلها .

الجدة ماتيلدا " صغيرتي انتي متعبة ، عودي الى النوم و خذي قسطا من الراحة".

نامت بائعة الكبريت من جديد ؛ دخل أرثر الغرفة

" جدتي ..! هل سألتها من تكون ؟ ما هو اسمها؟"

الجدة ماتيلدا " أسكت ، دعها تنم عندما تتحسن صحتها ، حينها سوف نسألها كل شيئ".

" أرثر اذهب الأن إلى المتجر ، سأعطيك قائمة من المستلزمات اشريها و عد بسرعة "

أرثر " حاضر يا جدتي ، لكن لماذا هذا كله !"

الجدة ماتيلدا " أسرع و لا تسأل كثيراً ، لقد تأخر الوقت".

انطلق أرثر مسرعا نحو المتجر ، اشترى كل ما طلبته الجدة ، لكن القفة كانت ثقيلة ! ما العمل اذا !

أرثر " ما هذا ، جدتي تريد قتلي ، لن أستطيع الوصول بها الى المنزل أبدا ، ما الذي فعلته في حياتي حتى اتعذب هكذا ...".

بينما يهرول أرثر بتلك القفة و يسير نحو المنزل و هو غاضب ، مرت بجانبه عربة يجرها حصان ، كان يركبها أحد الشخصيات المرموقة من بين الأثرياء و النبلاء .

" أيها السائق توقف ، لحظة !"

السائق " ماذا حصل سيد سبستيان ! "

سبستيان " لا شيئ ، دعنا نرى ما به ذلك الطفل ! ".

نزل سبستيان و توجه نحو أرثر ، كان يبتسم و لم يتمالك نفسه من الضحك على أرثر و طريقة حمله للقفة .

أرثر " ما بك تضحك يا هذا ! ما المضحك في الأمر ، هل ترى مهرجا أمامك ؟ ".

سبستيان " عذرا ، لكنني لم أضحك منذ مدة طويلة ، لكن أخبرني ما بك لماذا أنت في هذه الحالة المضحكة ".

أرثر " و ما دخلك أنت ، لماذا تحشر نفسك في ما لا يعنيك ".

السائق " ايها الولد الأحمق ! كيف تجرئ على الحديث الى السيد سبيستيان بهذه الوقاحة ؛ سأبرحك ضرباً" .

أرثر " حاول ايها السمين ، ان استطعت ذلك ".

سبيستيان " توقفا كلاكما ، ايها الصغير أردت فقط مساعدتك ، يمكنني اصالك إلى المنزل ".

فكر أرثر في القفة الثقيلة " المسافة لا تزال طويلة ، و ان صدق هذا الرجل سوف يريحني من مشقة توصيلها ".

أرثر " حسنا ! ماذا تريد مني ".

سبيستيان " أخبرني بإسمك أولا ؟".

أرثر " انا اسمي أرثر و اعيش مع جدتي، و من تكون أنت؟"

سبيستيان " انا اسمي ، سبيستيان ؛ لقد اعجبتني شجاعتك ، و موقفك جعل الضحكة تعود لي بعد زمن طويل ، اسمح لي اقوم بتوصيلك ؛ أرثر ".

السائق " السيد سبيستيان هو عمدة المدينة ؛ ايها الأحمق ".

أرثر " ماذا ؟ العمدة !".

شعر أرثر بالخوف و الصدمة ، فكر في الهروب لكن اذا هرب من العمدة ، لن يستطيع الهروب من عقاب جدته .

سبيستيان " لا تخف يا أرثر ، تعال هيا اركب " ، "ايها السائق خذ القفة من يده".

ركب أرثر العربة و هو مرعوب !

سبيستيان " أين تسكن يا أرثر ؟ ".

أرثر " في الشارع الثالث ، سيدي "

سبيستيان " حسنا ! ، ايها السائق انطلق نحو الشارع الثالث ".

وصل أرثر الى المنزل " توقف ، هذا هو المنزل ".

نزل أرثر و حمل القفة في يده من جديد ،" شكرا لك على التوصيلة سيد سبستيان ، انا منون لك جدا "

سبيستيان " الى اللقاء يا أرثر سوف نلتقي مجدداً".

رحل سبيستيان ، و دخل أرثر الى المنزل

الجدة ماتيلدا " لقد وصلت بسرعة هذه المرة ، لما لم تتأخر كعادتك ايها الشقي ".

أرثر " لقد عدت من اجل الطفلة المريضة جدتي "

الجدة ماتيلدا " حسنا ! ، اغسل يديك و اذهب الى الغرفة و راقبها حتى تستيقض ".

دخلت الجدة ماتيلدا المطبخ و بدأت تحضير العشاء، دجاجة مشوية ، المعكرونة ، المرق ، السلطة و كل ما كانت الطفلة تحلم به ، بين هذا كله كانت الطفلة تعيش لحظة من الدفئ و النوم الهنيئ .

بقي أرثر بجانب المدفئة يراقب الطفلة ، و الأسئلة الكثيرة تجول في ذهنه و من جهة اخرى يتملكه الفضول حول سبيستيان.

بينما العشاء يجهز ، نام أرثر بجانب الطفلة دون ان يحس بأي شيئ. بعد ثوان قليلة اسيقضت أخيرا ! بائعة الكبريت...

و اذ بها تجد أرثر نائما بجانبها ، قامت من الفراش و توجهت نحو المطبخ و ظلت تراقب الجدة ماتيلدا .

الجدة ماتيلدا " هااا ! لقد استيقضتي يا صغيرتي أخيراً ، ادخلي لماذا انتي خائفة ".

جلست الطفلة على الكرسي صامتة دون حركة .

الجدة ماتيلدا " هل أستطيع ان أعرف ما هو اسمك ؟".

الطفلة " أنا بائعة الكبريت ، و اسمي هو اوليفيا ".

الجدة ماتيلدا " اوليفيا يا له من اسم جميل ! ، انا اسمي ماتيلدا يمكنكِ منادتي بجدتي ".

الطفلة " حسنا ! ، جدتي ".

الجدة ماتيلدا " ماذا كنتي تفعلين البارحة في ذلك الجو البارد ، ياصغيرتي وحيدة ، أين هم أهلك؟ ".

اوليفيا " ليس عندي أهل ، لقد كنت أحاول بيع علب الكبريت التي عندي من اجل شراء الطعام ، لكن لم يشتري مني احد ، بقيت وحدي اشعل اعواد الثقاب و أنتظر جدتي حتى تأتي ".

الجدة ماتيلدا " اين هيا جدتك الأن !".

اوليفيا " قال الرجل ان جدتي تعيش في الجنة مع أمي ".

عند سماع الجدة ماتيلدا لتلك الكلمات من على لسان الطفلة البريئة بدأت الدموع تذرف من عينيها و ساد الحزن ملامح وجهها البشوش .

اوليفيا " ما بك يا جدتي! ، تبكين ؟".

الجدة ماتيلدا " لا ؛ لاشيئ يا صغيرتي ، انه البصل ".

لم تتمالك الجدة نفسها و غلبتها دموعها ، وقفت اوليفيا من على الكرسي و توجهت نحو الجد الجدة ماتيلدا ، احتضنتها و قالت " لا تبكي يا جدتي ، لن اسمح للبصل بإنزال دموعك مرة أخرى".

أحست الجدة ماتيلدا بشعور لم تتصور أبدا أنه سيأتي يوم و تعيشه تلك اللحظة .

استيقض أرثر و لم يجد الطفلة ، توجه مسرعا نحو المطبخ و هو يصرخ عاليا ، " جدتي ، جدتي .....، لقد هربت الطفلة! ".

و اذ به يجد جدته تعانق الفتاة و هي تذرف دموع الحزن .

ساد الصمت ارجاء المنزل لوهلة..!

أرثر " ماذا حصل ! ، هل أنتي بخير ؟" .

الجدة ماتيلدا " لا تقلق يا أرثر ، انا بخير ، هيا بنا لنجهز طاولة العشاء ".

" خذ اوليفيا و أرها المنزل بينما أحضر لكما العشاء ".

أرثر " حسنا ، تعالي معي ".

كانت اوليفيا خائفة من أرثر ، لأنه كان متعصبا و شقيا جداً.

أرثر " لا تخافي لن أكلك ، تعالي هيا ".

الجدة ماتيلدا " اوليفيا صغيرتي اذهبي معه ".

اخذ أرثر اوليفيا و بدأ يريها غرف المنزل ، بينما كانت الجدة تجهز طاولة العشاء .

الجدة ماتيلدا " ما هذه المصيبة ، كيف لهم ان يتركوا طفلة بريئة و مسكينة في الشارع ، تبيع اعواد الثقاب وحيدة ، ما ذنبها ؟"

سؤال و ألف سؤال غيره ...!

مسحت الجدة دموعها ، وواصلت التحضير .

أرثر " تعالي ، هذه على اليمين هيا غرفة جدتي ، و هذه التي على اليسار هيا غرفتي انا ، و آخر الرواق يوجد غرفة أمي ، لقد توفيت عندما كنت صغيرا جدا ".

اوليفيا " و أين ذهب والدك ؟".

أرثر " لا أعرفه و لم اره أبدا ، لقد قالت لي جدتي أنه ذهب الى الحرب و لم يعد ".

فجأت سمع الطفلان صوت الجدة ماتيلدا تنادي ، أرثر ، اوليفيا ، تعالا العشاء جاهز .

أرثر " هيا اوليفيا نذهب ، الجدة تنادي ".

نزل الطفلان الى المطبخ ، كانت طاولة العشاء مليئة بجميع أصناف الطعام ، كانت اوليفيا مصدومة مما ترى ، هل هيا في حلم ،كل ما شاهدته اصبح حقيقة .

الجدة ماتيلدا "هيا تفضلا بالجلوس".

جلس الجميع على طاولة العشاء ، و بدأوا بالأكل ، كان الوضع يبدوا لـ اوليفيا و كأنها في الجنة .

انتهى وقت العشاء ، توجه الجميع الى الغرفة للجلوس بجانب المدفئة . ظلت اوليفيا في أحضان الجدة ماتيلدا تلاعب خصلات شعرها الجميل ، و تنتظر أن تحكي بها ما حصل .

بقيت اوليفيا تنظر الى نار المدفئة و تتذكر اعواد الثقاب التي احرقتها ، واحدا تلو الأخر ، و ما كانت تهلوس به .

اوليفيا " ايتها الجدة ماتيلدا ، هل أستطيع النوم عندك هذه الليلة؟ لا أريد البقاء مرة أخرى في الخارج ، الجو بارد جدا و مخيف".

الجدة ماتيلدا " طبعا صغيرتي لن أتركك ، و الليلة ستنامين معي في غرفتي ".

ظلت الجدة ماتيلدا تفكر في مصير الطفلة ، ما الحل ؟ هل ستعثر على والدها او أي قريب لها ، ما العمل يا ترى!

حل الظلام و حان وقت النوم ، اتجهت الجدة ماتيلدا برفقة اوليفيا الى غرفتها ، و ذهب أرثر الى غرفته أيضا .