"غابة الجذور السحرية"**
في أعماق قرية بعيدة، يوجد غابة ليست كأي غابة عرفها البشر. كل شجرة فيها ليست مجرد خشب وأوراق، بل هي كائن حي يحتضن في قلبه سحرًا قديمًا، وسرًا نادرًا. منذ الزمن بعيدة، كانت هذه الأشجار تنمو على ضوء النجوم، وتحتضن في داخلها أجنة خفية، وكأنها أرحام تنتظر الإذن بالولادة.
كانت النساء يأتين من كل حدب وصوب إلى هذه الغابة، ولكن ليس كل امرأة تستطيع اختيار شجرة، فالغابة نفسها هي التي تختار. على المرأة أن تتجول في صمت بين الأشجار، تستشعر همسات الرياح وتمس قلبها، وحين تجد شجرة مناسبة، كان الشعور يشبه لمسة دافئة تخترق روحها. كانت تشعر بنداء داخلي قوي، وكأن الشجرة تناديها لتشاركها هذا السحر.
في ذلك الوقت، كانت المرأة تربط حول جذع الشجرة قطعة قماش حريرية مكتوب عليها اسم الجنين الذي تريده. كانت تهمس دعاءً خاصًا، مستمدة من قلبها كل أمنياتها لطفلها القادم. الرياح في الغابة كانت تنقل هذه الهمسات، وتذوبها في أوراق الشجرة، لتبدأ الشجرة رحلتها في احتضان الجنين.
مع مرور الأيام، تبدأ الشجرة بالتفاعل مع دعاء الأم. تتماوج أغصانها وتضرب بجذورها في الأرض بعمق، لتستمد العناصر الغذائية اللازمة. الجنين يبدأ في النمو، يتغذى من هذه الروابط السحرية التي تربطه بالشجرة من خلال غصن رقيق متصل بسرته. نبضات الجنين تتناغم مع نسيم الغابة، ودقات قلبه تصبح جزءًا من إيقاع الطبيعة نفسها.
مع كل لحظة تمر، تتحول الشجرة من مجرد حامل إلى حامية لهذا الكائن الصغير. تبدأ الزهور في التفتح على الأغصان، كتعبير عن الحب والاهتمام، فيما تتفتح الأوراق لتعطي ظلالًا مريحة تحمي الجنين من أي خطر خارجي.
بعد تسعة أشهر، تعود الأم إلى الغابة. لأن هي تعرف أن طفلها الرضيع ينتظرها عند اقتراب الأم، إلى الشجرة تبدأ الشجرة بالتحرك ببطء، الأغصانها كما لو كانت تستعد لتسليم أغلى ما تملك.
لكن هذه الطفل ليست كالأطفال العادية. على الأم أن تجمع شجاعتها وتهدئ قلبها، فهي بحاجة إلى قطع الغصن المتصل بسررة طفلها. هذا القطع ليس مجرد انفصال جسدي، بل هو أيضًا انفصال روحي. في تلك اللحظة، تصبح الأم مسؤولة عن حماية طفلها الذي اكتسب جزءًا من سحر الغابة.
كل طفل يولد من غابة الجذور السحرية يمتلك قدرات خاصة. كانت هذه القدرات تتنوع بين التحكم في الطبيعة، القدرة على التحدث مع الحيوانات، أو حتى التأثير على الزمن. ومع ذلك، كانت هذه القوى تظهر تدريجيًا، مع مرور الوقت، وحين ينضج الطفل.
تبدأ الأم في مراقبة طفلها بحذر، فكل إشارة تدل على ظهور هذه القدرات كانت تعتبر معجزة. الأطفال المولودون من الغابة ليسوا عاديين، بل هم جزء من الطبيعة، مرتبطون بها بشكل لا يمكن فصله. بعضهم كان يستطيع سماع همسات الأشجار، والبعض الآخر كان بإمكانه تحريك الأنهار بلطف.
غابة الجذور السحرية لم تكن مجرد مكان للولادة، بل كانت مركزًا للتوازن بين البشر والطبيعة. كل شجرة كانت تروي قصة، وكل طفل كان يمثل رابطًا خفيًا بين العالمين. الأمهات اللاتي يخترن هذه الغابة يولدن أطفالاً ذوي مواهب عظيمة، ولكن عليهم حماية هذا السر، لأن العالم خارج الغابة لم يكن دائمًا يقدر السحر بنفس الحب والاحترام.
رقيه هاشم محمد
التعليقات