ممّا يُشاع أنَّ أول من اخترع التليسكوب هو غاليليو، لكنَّ القصة غير دقيقة، فالذي له هذا الفضل هو صانع عدسات هولندي يدعى هانس ليبرتشي، الذي اكتشف صدفة عام 1607 أنّه عندما يرتّب عدستين فوق بعضهما في منظار من ورق مقوّى، يكون ناتج ذلك تلسكوب بدائي يقرّب الأشياء البعيدة، وبدأ هذا المنظار الورقي يُستعمل كلعبة للأطفال والتجسّس على البيوتات، وشاع تصنيعه في أوروبا إلى أن وصل فرنسا، وحينما وقع بين يدي غاليليو في 1609 أدرك أبعاد هذا الاختراع.

غاليلو وجّه المنظار إلى مكان لم يوجهه أحد قبله، إلى السماء والقمر، وحينما ركّز في تفاصيل ذلك الجرم السماوي، رأى أنّ فيه خسوفًا ومرتفعات، وليس قمرًا نورانيًا لا ثلمة فيه.

بعد ذلك وجّه غاليليو التليسكوب إلى النجوم، فرأى المشتري وقربه ثلاث نجمات، وبعد أيّام حينما أعاد النظر، كانت احد النجمات قد اختفت، لكنّها عادت بعد أيّام وبرفقتها نجمة جديدة!

غاليليو فهم حينها أنّ النقاط كانت بمثابة الأقمار للمشتري، كالقمر الذي عندنا، لم يكن كوكبنا هو الوحيد الذي تجري الأشياء حوله، ممّا بعث التساؤل، هل نحن مركز الكون حقًا؟

عندما وجّه التليسكوب إلى كوكب لزهرة، رآه كالعرجون القديم، يمر بأطوار كما يمرُّ فيها قمرنا، لكنّ هذه الأطوار تتغيَّر على مدار سنة لا شهر، استنتج غاليلو من هذا أنّه كوكب يدور حول الشمس، وأنَّ الزهرة بين الأرض والشمس.

شيئا فشيئا تولّدت لدى غاليليو النظرة الكبرى، الأرض ليست مركز الكون، ولا تدور الأجرام عنها، إنما هي الشمس، والكواكب كلّها تدور حولها.

غاليليو اكتشف كل هذا من ورق مقوّى وعدستين، لم يحتج إلى مخططات واحصائيات، إنما هو نظرٌ وبعض الفضول. فليس شرطا أن تحتاج الاكتشافات، صغيرة كانت أو كبيرة، إلى التقنيات المتطوّرة لتكتشف، فالطبيعة تبوح لمن يجدُّ في تطلابها.

كتبتُ قبل فترة مقالًا في نفس الصلة وكان يخصّ عالم الأحياء لويس أغاسيز