المساهمة لم يُقصد منها مناقشة صحة نظرية التطور من عدمها

من منّا لم يسمع بنظريّة داروين الشهيرة تلك، هي مجرّد نظريّة علميّة شأنها شأن الجاذبية ماعدا أنّ الجاذبية لم يظهر من بين العاملين عليها أناس نظرّوا لفكرة الـ gravitism فالعلم على -عكس المعتقد الفلسفي - يكون فيه الانتماء غير ذي معنى، فلا تجد من ينتمي لنظريّة الجاذبيّة و يعتبرها صحيحة فهي صحيحة إن آمنت بذلك أم لم تؤمن

ظهور الـ social darwinsm

كان ذاك في أواخر القرن التاسع عشر عبر هربرت سبينسر الفيلسوف الإنكليزي، الرجل كان من المدافعين بشدّة عن نظريّة التطور آنذاك حيث أنّها كانت مثيرة للجدل اكثر مما عليه الآن.

الفكرة كانت تتمحور حول أنّ الطبيعة دائماً ما تقوم باختيار الأصلح للبقاء عن طريقة آليات التطور المعروفة، لكن ماذا لو سرّعنا العمليّة؟ مثال على ذلك إصابة عدد كبير من الناس بمرض معدٍ جديد لا نعرف له دواءاً، أليس من الأوفر قتل هؤلاء الأشخاص جميعاً بدلاً من ترك الطبيعة تقتلهم بعد أن يصيبوا الآخرين بالعدوى؟ ما معنى ترك الطبيعة تميت هؤلاء الأشخاص بعد أن يموت الملايين من الأصحاء الذين كان من الممكن إنقاذهم لو أخذنا زمام المبادرة و قتلنا المصابون المئة الأوائل؟

الفكرة كانت بالضبط أخذ الدور الذي تلعبه الطبيعة مع الكائنات و تطبيقه على المجتمعات، منظرو هذه النظرية الاجتماعية رسمواً خطاً بدايته أقل المجتمعات تحضراً و علماً و ثراءاً و فائدة للكوكب و هم الأفارقة الأمريكيين، الآسيويّون - it's ok - ثم الأمريكيين الأصلين و سكان أوروبا الشرقيّة في وسط الخط تقريباً و سكان أوروبا الغربيّة كأكثر صلاحاً للبقاء.

الفكرة لم تكن قتل الشعوب الأقل تحضرّاً بل تبرير بعض من اللامساواة الاجتماعية تجاههم و أنّهم لا يستحقّون الموارد الطبيعيّة التي بين يديهم و على الأصلح بقاءاً أخذ زمام المبادرة و إدارة تلك الموارد فيما يرونه أفضل لبقاء الأصلح.

الحجّة ضد الداروينيّة الاجتماعيّة

الفكرة هذه تقريباً ماتت و لم يعد لها أي مُنظرين يعتد بهم و ذلك لمغالطة المذهب الطبيعي التي ارتكبها مؤسسوها حيث يرون أنّ ما هو موجود في الطبيعة هو مقبول و مرغوب، فأن تجد الثريّ ثريّاً يبرر لك أن تجعله أكثر ثراءاً بتحكيمه بموارد أكثر و كون الفقير فقيراً يجعلك تشك في حسن إدارته للموارد و بالتالي حرمانه منها لأنّ فقره الذي وجدته عليه يشي بعدم قدرته أبداً على أن يكون الأصلح.

و هذا فيه خطأ من ناحية أن الثريّ كان فقيراً يوماً ما و كونه فقير لم يعن عدم قدرته على إدارة بعض الموارد و الانتقال للجانب الأصلح.

هل نحن جاهزون لترك المرجعيّة الأخلاقيّة الدينيّة؟

الأمر يثير في خاطري فكرة جاهزيّة العالم للاستغناء عن المرجعيّة الأخلاقيّة الدينيّة، فمع أنّ الدين بالنسبة لي هو مراهقة فلسفيّة في سبيل الوصول لحقيقة كان هربرت سبينسر في مرحلة الطفولة من ناحية تصميم مرجعيّته الأخلاقيّة من العلم مباشرة.

فأول محاولة له في ذلك أتت على كارثة أودت بالبعض لاحقاً لوضع البشر الغير مفيدين في الأقفاص و إجراء التجارب العلميّة عليهم من قبل الأصلح للبقاء.

فهل كانت الداروينية الاجتماعية سوء فهم للتطور أم إساءة استعمال مُتعمّد؟ و هل يمكن إدارة المجتمعات في إطار ماديّ كهذا على الأقل الآن؟