لطالما كانت المواجهة بين الغرب والعالم الإسلامي محورًا للتاريخ الحديث، ولكن على عكس الفتوحات والاستعمار العسكري المباشر، لجأ الغرب في القرون الأخيرة إلى أدوات أكثر دهاءً وأقل تكلفة لتحقيق هيمنته. لقد أدرك أن القوة العسكرية وحدها ليست كافية لفرض سيطرته، فعمل على تفكيك المجتمعات الإسلامية من الداخل، مستغلًا الانقسامات الفكرية والضعف الثقافي لفرض نفوذه.
من الأساليب التي استخدمها الغرب هو التلاعب بالهوية الإسلامية، حيث تم الترويج لفهم جديد للدين يتماشى مع المصالح الغربية، بينما يتعارض مع روح الإسلام الأصلية التي صنعت حضارة مزدهرة. فقد تم دعم شخصيات دينية وسياسية روجت لقراءات منحرفة للدين، تهدف إلى تفريغه من مضمونه المقاوم، وإضعاف روح العزة والاستقلال لدى المسلمين.
حرص الغرب على صناعة أنظمة حكم تابعة لها، تضمن استمرار الهيمنة. فتم تنصيب حكام يفتقرون إلى الاستقلالية، ويروجون لسياسات تتماشى مع مصالح الغرب، سواء في الاقتصاد أو التعليم أو الثقافة. كما تم تمويل نخب فكرية وثقافية تعمل على نشر قيم غربية تتعارض مع تقاليد المجتمعات الإسلامية، مما أدى إلى إضعاف الانتماء الديني والوطني.
أدرك الغرب أن السيطرة على العقول أهم من السيطرة على الأراضي، لذا سعى إلى تغيير المناهج الدراسية في الدول الإسلامية، بحيث يتم إضعاف تدريس التاريخ الإسلامي والعلوم التي كانت أساس النهضة الإسلامية، والتركيز بدلًا من ذلك على نموذج غربي في التفكير. كما تم إنشاء إعلام موجه يبث الشك في التراث الإسلامي، ويزرع قيم الاستهلاك والانحلال بدلًا من قيم الجهاد والعلم والعمل.
ومن أخطر الأدوات التي استخدمها الغرب هي زرع الفرقة بين المسلمين، سواء على أسس طائفية أو عرقية أو سياسية. فبدلًا من أن يتوحد المسلمون ضد خصمهم الحقيقي، تم تحفيز الصراعات الداخلية، مما استنزف طاقات الأمة وأبعدها عن التفكير في النهوض. أصبح المسلمون منشغلين بصراعات داخلية مفتعلة، بينما يواصل الغرب فرض سيطرته الاقتصادية والسياسية.
الدعاية النفسية التي تم الترويج لفكرة أن الغرب متفوق حضاريًا وعلميًا، بينما المسلمون متخلفون وعاجزون عن بناء حضارة مستقلة. هذه الدعاية النفسية جعلت الكثيرين يعتقدون أن الحل الوحيد هو تقليد الغرب في كل شيء، حتى لو كان ذلك على حساب القيم الإسلامية. في المقابل، تم تشويه أي محاولات لإحياء النموذج الإسلامي الحقيقي، وتصويرها على أنها رجعية أو تطرف.
التعليقات