لا شك أن الحالة المعيشية اليوم هي أكثر ما يشكوا منه الناس، وهي كلمة السر في معظم الجرائم، السرقة والنهب والقتل، أحدهم لا يكفيه راتبه والآخر لا يعجبه بيته الضيق وهناك من هو ضائق بحياته ويصفها بالفقر والعوز، ولعل معظمنا إن لم يكن كلنا على اختلاف حالاتنا الإجتماعية والمادية، يتمنى لو يكون من الأغنياء، ليتمتع بأكبر قدر من الراحة والرخاء والإستقرار النفسي والعقلي، حتى الأغنياء أنفسهم يريدون أن يكونوا أكثر غنى مما هم عليه، فحب المال انجذاب أقرب للفطرة التي تسعى للتميز دائماً حيث يربط عقل الإنسان الغنى ب"المال"، مع أن موضوع الذي سنتحدث فيه اليوم سيؤكد لك أن الأمر أعمق بكثير من فكرة "المال"، وهنا لن أخبرك أن 'الغنى غنى القلب"، أو أن الثراء الحقيقي ثراء الروح "مع أن ذلك حقيقي"...بل سنتحدث بالماديات..دون مقارنة شئ مادي بآخر معنوي..

لعلك لا تعلم عزيزي القارئ أنك بالفعل غني، وأغنى بكثير من أغنياء عاشوا في عصور سابقة...الأمر غريب بعض الشئ؟

هذا ما أوضحه الدكتور مصطفى محمود في إحدى مقالاته حيث قال :

"قد لاتصدقني إذا قلت لك إنك تعيش حياةً أكثر بذخاً من حياة كسرى .. وإنك أكثر ترفاً من إمبراطور فارس وقيصر الرومان. وفرعون مصر .. ولكنها الحقيقة "

ولعلك تتسائل..كيف أكون أغنى من أولئك وأنا على تلك الحالة؟..يجيب الدكتور مصطفى محمود مستعرضاً مظاهر حياة أولئك الملوك وحياتك التي تعيشها اليوم قائلاً:

"إن أقصى ما إستطاع فرعون مصر أن يقتنيه من وسائل النقل كان عربة كارو يجرها حصان، وأنت عندك سيارةً خاصة وتستطيع أن تركب قطاراً، وتحجز مقعداً في طائرة !

وإمبراطور فارس كان يُضِيء قصره بالشموع وقناديل الزيت..

وأنت تضيء بيتك بالكهرباء !

وقيصر الرومان كان يشرب من السقا ويُحمَل إليه الماء في القرب، وأنت تشربُ مياه نظيفةً معقمةً ويجري إليك الماء في أنابيب

والإمبراطور غليوم كان عنده أراجوز، وأنت عندك تليفزيون يسليك بمليون أراجوز .

ولويس الرابع عشر كان عنده طباخ يقدم أفخر أصناف المطبخ الفرنسي، وأنت تحت بيتك مطعم فرنسي، ومطعم صيني، ومطعم ألماني، ومصنع مخللات ومعلبات وحلويات !

ومراوح ريش النعام التي كان يروح بها الخدم على وجه الخليفة في قيظ الصيف واللهيب، عندك الآن مكانها مكيفات هواء تحول بيتك إلى جنةٍ بلمسةٍ سحرية بزرٍ كهربائي!"

تعجبت من كلمات مصطفى محمود وتلك المنطقية القوية في كلامه، ولكن من أين الخلل يا ترى؟، ما سر تلك الحالة من الغضب والحزن تجاه ما نحن عليه من حال؟، هل لأن العصور مختلفة ولكل عصر معايير غناه وفقره؟، أم لأننا لا ندرك ما نحن عليه من حال بصورة منصفة؟، فيقول مصطفى محمود مكملاً كلامه في نفس المقال متحدثاً عن السبب:

"أنت إمبراطور , وكل هؤلاء الأباطرة والملوك لا يساوون في النعيم شي بالنسبة لك الآن، ولكن يبدو أننا أباطرة غلب علينا الطمع، ولهذا فنحن تعساء برغم النعم التي نمرح ونتقلب فيها فمن عنده سيارة لا يستمتع بها، وإنما ينظر في حسد لمن عنده سيارتان .

ومن عنده سيارتان يبكي على حاله، لأن جاره يمتلك بيتا، ومن عنده بيت يكاد يموت من الحقد والغيرة لأن فلان لديه عقارات، ومن عنده زوجة جميلة يتركها وينظر إلى ما حرم الله، وفي النهاية يسرق بعضنا بعضاً ، ويقتل بعضنا بعضاً حقداً وحسداً"

وسؤالي لك هنا؛

ما هي معايير الغنى والفقر من وجهة نظرك؟ وإلى أي مدى تتفق مع د/مصطفى محمود في نظرته للأمر؟