اختلف علماء المسلمين وفرقهم في هذه المسائل ، والخلاصة وأعدل الأقوال :

أن الحقيقة جامعة لوجهين ( الجبر والاختيار ) فلا جبر مطلق أو اختيار مطلق .

الله قد أجبرك على كونك رجلا أو أمرأة ، أسودا أو أبيضا ، طويلا أو قصيرا ، فقيرا أو غنيا ،

وكل هذه الأمور المجبرة ليس فيها حساب من عقاب أو ثواب.

لكن الله أجبرك على كونك سميعا بصيرا متكلما عاقلا لست كالبهيمة والأنعام،

و سالما متحركا له ارادة وله قلب ونية،

فأصبحت مكلفا ،تحاسب على سمعك وما أبصرته وعلى كلامك وفعلك واختيارك .

والله قادر ، قاهر، وحكيم عادل، مطلقا ،

لكن الانسان قادر مختار تحت قدرة قاهرة حكيمة عادلة .

واعلم بأنه فرق بين القدرة المطلقة ،والقدرة المقيدة.

وبين الجبر المطلق ،والجبر المقيد

وبين الحرية والاختيار المطلق ،والاختيار المقيد

وبين الارادة والمشيئة المطلقة، والمشيئة المقيدة .

قدرة الله كاملة لا تعجز عن الشيء تقوم بنفسها لا تحتاج غيرها ،

لكن قدرة العبد محدودة منقوصة عاجزة لا تقوم بنفسها وذاتها ، وتحتاج لكي تقوم إلى غيرها من القدرات وأعلا تلك القدرات ، قدرة الله .

وكذلك علم الله ذاتي مطلق لا نهاية له ، لكن علم العبد مكتسب من غيره، محدود وقليل .

قال تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ . أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ) الواقعة 64 ، لكنه قال (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ)

فأثبت أن الله هو الفاعل الحقيقي لكنه أيضا أثبت فعلاً ما للعبد.

من دلائل قدرة العباد في الدنيا وعدم الجبر في تكليف العباد :

قدرة العباد هي قدرة خلقها الله فيهم بغرض التكليف والحساب .ويوم القيامة تسلب منهم قال تعالى (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ . خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ، وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ) سورة القلم 42-43

يأمرهم يوم القيامة بالسجود فلا تستجيب لهم أعضاءهم ويعجزون عن اتيان فعل السجود ،

لكنه في الدنيا أمرهم بالسجود فمنهم من استجاب وسجد ، ومنهم من رفض وأبى و اختار عدم السجود .

الله خالق الشرّ:

ليس أكبر شر من إبليس والله هو خالقه، لكنه فتنة وابتلاء للعباد وليس على رضا به واستحباب .

فعل العباد بين الله وبينهم :

قال تعالى (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا) التوبة ، فجعل عذاب الله للكفار في الدنيا بأيدي المؤمنين.

الأسباب وتعطيلها :

وقَدْرُ الله ، أن الله خلق أسبابا تؤدي الى ما حكم به وقدّره ، فجعل أيدي المؤمنين سببا في هلاك بعض الكفار ، ولو شاء الله ما سلطهم عليهم،

وقد يسلب الله القدرة من الأسباب كما جعل نار ابراهيم بردا وسلاما وليس حرقا وقال (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ) الفتح.

وقال (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ) النساء

مسألة الخلق ( أي الأفعال والأحداث ) مثل مسألة الملك :

حيث يقول تعالى (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) المائدة 17

وقال ( لم يكن له شريك في الملك )

فالخلق والملك لله ، لكن الله قدر لنا نصيبا من الملك في الدنيا للتكليف قال (وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ) البقرة 251

وقال ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)

وقال تعالى على لسان مؤمن آل فرعون (يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ) غافر 29

ويوم القيامة يقول (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ، لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) غافر (16)

حديث في ابطال الجبر :

عن علي رضي الله عنه، قال: كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعه عود ينكت في الأرض، وقال: «ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار أو من الجنة»

فقال رجل من القوم: ألا نتكل يا رسول الله ؟

قال: " لا، اعملوا فكل ميسر. ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى} [الليل: 5] الآية

قلت : يقول تعالى (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)

قال الامام ابن حجر : وهذا الحديث أصل لأهل السّنة في أن السعادة والشقاء بتقدير الله القديم ، وفيه ردّ على الجبرية لأن التيسير ضد الجبر،

لأن الجبر لا يكون إلا عن كره ولا يأتي الإنسان الشيء بطريق التيسير إلا وهو غير كاره له

فائدة الخلاف بين المذاهب وثمرته :

هل نتكل على ما قدره الله لنا ؟ ونترك العمل .

أو نسكت على الظلم والاعتداء والمنكر من قريب وجار أو حاكم أو أجنبي ؟

فلا نجاهد ولا نرد على الاعتداء ولا نأمر بالمعروف ولا ننهى عن المنكر .

ومادام الله قد أمرنا بالعمل ،

ثم الله حجب عنا القدر والمكتوب، فلا ندري هل نحن مقدر لنا الكفر أم الايمان ،الشر أم الخير ،

لذلك وجب علينا العمل.

قال ابن السمعاني عن شبهة القدرية : " أن الله أمرنا بالعمل فوجب علينا الامتثال، وغيّب عنا المقادير لقيام الحجة ،

ونصب الأعمال علامة على ما سبق في مشيئته" .

ثم علمنا أنّ لنا قدرة لكنها محدودة ، فيجب علينا الدعاء والاستعانة بالله .

وقلت : هناك فرق بين أن الانسان مجبور على ما يحدث له وحوله ،

وبين أنه مجبور على أفعاله .

لله حكمة في انفاذ أفعال وارادات المكلفين والبشر وهي ما تعرف بالقضاء والقدر ،

فالقدر لا يعني الجبر بل هو أمر الله وحُكْمه حيث أذن تعالى لفعل ما للحدوث ولم يأذن لآخر ، وأعان ووفق البعض،

ولم يفعل ذلك لآخرين حسب حكمه وعدله وقضائه

للانسان قدرة خاصة على الخلق والمشيئة والقصد ، إن شاء الله أذن لها فوقعت ونفدت،

وإن شاء منعها فلم تقع ، فالله خالق لأفعال العباد المكلفين على هذا النحو .

فقدرة العبد ليست مطلقة بل مقيدة بأسباب خارجية وبقدر الله وقضائه .

ولله قدر قديم سابق مكتوب ، وقدر حادث قال تعالى (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) الرعد 39

وفي الشريعة أن للدعاء تأثير في رد القضاء والقدر ، والدعاء هو فعل للعبد ، اذن للعبد عمل في تغيير وابدال القدر.

وأفعال العباد هي من قدر الله وقضائه والله يخلق الأسباب والمسببات وكلها من قدره وقضائه.

وقدر الله هو سر الله وهو من علم الله واستحالة احاطة العباد بعلم الله قال تعالى ( ولا يحيطون بعلمه)،

وقيل لأحد العلماء : ما تقول في القدر؟

فقال: " أمر تغالت فيه الظنون، واختلف فيه المختلفون، فالواجب أن نرد ما أشكل علينا من حكمه إلى ما سبق من علمه" .

ولا يعني القضاء والقدر ، الجبر والاكراه على أمر .

الله قادر على قهر المخلوقات جميعها وكذلك فعل مع الشمس والقمر

وهو ايضا قادر على قهر الثقلين لكنه لا يفعله إلا بما لا يكون ظلما لهم ولا يسقط تكليفهم،وأن الله ليس بظلام للعبيد ، وربي على صراط مستقيم .

الفرق بين سخّر وقدّر :

لا تقل أني قدّر الله عليّ كذا فإذن أنا مغصوب عليه ،فهذا لا يصح .

لكن متى يصح ؟ لو كان الله قد سخّرك على هذه المعصية وهذا الأمر كما سخّر الشمس والقمر في جريانهما في فلكيهما على حالهما من الحرارة أو النور.

والله لن يحاسب الشمس والقمر على جريانهم فكم نفس ماتت بحرارة الشمس ولهيبها لكن الله سيحاسبنا على ما كسبت أيدينا وارادتنا ونياتنا وان كانت كتابة وقدرا مقدروا.

( المزيد على هذا الرابط

)