عادة ما يجس الكاتب نبض كلماته قبل القارئ.

في الآونة الأخيرة لاحظت أن جميع الأوراق التي تطالها يدي تغدو إما كصحاري البادية، مقفرة وقاحلة مهما مر فوقها من السحاب.. أو كموج يلاطمه موج، تيارات لاتهدئ وحروب لاتنوي السلام!!

قاربي لايتحرك البتة في اتجاهات ملونة.. وبدل أن أبني للبطل الجسور والأجنحة وأقتبس له من خيالي جواداً أصيلاً يحمله حيث يشتهي، أجدني أكتب له مشهد الحطام والغرق، وأثقله بزخات الماضي وموجات الحاضر، ثم أراهن على نفاذ صبره، لأجعل الأمل رملاً يتسرب من بين أصابعه..

قبل هذه المدة كنت أكتب النصوص المفرحة بلا عناء، وأصيغها من كل جانب، ثم أنظر إليها من بعيد بفخر كمنحوتة شرقية شكلتها بأطراف أصابعي، حتى وإن تطلب النص مباغتة شعور غريب، كنت لا أمّلُ أهندسه وأصنفره حتى يكون له وقع دقيق ورقيق في عين القارئ، فإن كانت "شهقة خفيفة" فيجب أن تكون بمقدار رؤيته لوقع التوت على قميصه الأبيض في ربيع أستراليا..

أما الآن فأصبحت أصف المشاهد بحدة مبالغة، وفي كل مرة أعاين النص تتملكني الخيبة، فأترك أوراقي على طاولة المقهى وأرجوها أن تُسرق، من شدة ما جسدت بها أبطالاً " مكتوفي الأيدي" أو "مسعورين".

أود كثيراً معرفة ماهية هذه السموم التي لايستطيع قلمي التحرر منها؟؟

وهل امتلأت بكم الجرأة يوماً لتخبروا القارئ

بأن لايقترب؟؟ أو تتركوا له رسالة تحذير ..

"هذا النص رثٌ خربْ

إن كنت تحسبه ملاذاً ستغترب إذ تقترب

أو كنت تحسبه هدوءاً فلو دنوت ستضطرب"..