الأديب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني قدم خلال حياته التي لم تتجاوز الأربعين عامًا، الروايات والمسرحيات والمقالات والقصص القصيرة، وكان موضوع أدبه القضية الفلسطينية التي هو جزء منها.

يقول غسان: "الإنسان في نهاية الأمر قضية "وهذا ما عمل لأجله واغتيل بسببه، فقد وضع غسان القضية من كل زواياها بين أيدي القرّاء، من النكبة وترك الوطن في (أرض البرتقال الحزين) إلى مشاكل المخيم و اللجوء في (ما تبقى لكم) و (عن الرجال والبنادق) إلى الأم الفلسطينية المنكوبة في (أم سعد) إلى محاولة الفلسطيني خلق وطن جديد وحياة تستحق في (رجال في الشمس) ، إلا أن اللافت هو قدرة غسان كنفاني على رؤية القضية بوضوح والتنبؤ بمستقبل القضية، والقارئ اليوم لأدبه يواكب ما تعيشه القضية اليوم من تصعيدات ويلمس كلامه منذ خمسين عام في واقعنا اليوم، فهل قرأتم شيئًا من أدبه؟

تعد في نظري القدرة على استشراف المستقبل أهم من قراءة الواقع الذي يتقنه ثلة لا بأس بها من المفكرين والأدباء، وبيد أن الذين يملكون هذه القدرة ندرة، كانت أهمية المفكر والأديب الذي يتنبأ بالمستقبل، أخطر من أهم رتبة عسكرية، وإن هذه القدرة تأتي بالضرورة مع فهم الواقع و تقييمه بشكل سليم، وفهم الواقع يعني أن تملك حقيقته وهو الأمر الذي بات صعبًا في زماننا، وعند امتلاك حقيقة الأمر الواقع يصبح من السهل على العقول الفذة أن تتنبأ بتداعياته، وأن تنشر الحقيقة بين العوام، ولذا فكانت مهمة الأديب والمفكر لا تقتصر على الكلمات التي تشحذ همم المقاتلين في المعارك، بل كانت توجه بلدان بأسرها، للحرب، للسلم، للاستسلام ، ولأخذ الحيطة وغيرها...

أتساءل اليوم أين نحن من العقول الفذة تلك؟

و برأيكم الخاص ما أهمية أن يكون المفكر والأديب قارئًا جيدًا للواقع، ومستشرفًا للمستقبل؟