لا أحد يغفل حاجتنا الدائمة لفعل الكثير من الأمور وتحقيق العديد من الأشياء من أجل الحصول على تقدير واستحسان من حولنا، حيث نجد في ذلك الدعم الذي يمدنا بقوة ورضى لرفع مكانتنا في المجتمع، وكيف أننا معرضون للشعور بالقلق الدائم على هذه المكانة إن ظهرت ظروف أدت إلى تهديدها.
واليوم لا يخفى على أحد أن الدور الأبرز في تحديد هذه المكانة يرجع للمادة ولِمَا يفرضه النظام المادي الذي يسير على أساسه المجتمع من متطلبات، وهذا ليس أمراً جديداً علينا بل كان بادياً منذ الصغر، حين كان يتم سؤالنا ماذا تريد أن تصبح؟ طبيباً..مهندساً..عالماً وإن كان غير ذلك فأنت تقلل من قيمة نفسك، لأن هذه الوظائف تفرض مكانة مجتمعية ومادية يسعى مَنْ حولك لتمييزك بها بغض النظر عمّا ستحب وتريد مستقبلاً.
إذاً ما الذي يدفع موظف ميسور الحال لأن يصرف كامل راتبه على شراء ملابس وعطور من ماركات عالمية؟ وما الذي يدفع الثري رغم ثراءه على الاستمرار بجمع المزيد من المال؟
يتحدث آلان دي بوتون في هذا الكتاب عن المكانة التي كونها المجتمع وجعلنا نقبع في حيزها بحيث لا نستطيع الخروج منه، فذلك الموظف يشعر بشراءه الملابس باهظة الثمن بأنه يحظى باحترام وظيفي أكبر بين زملاءه رغم حاجته للراتب في أمور أخرى! وذلك الثري يخاف أن تحصل ظروف تؤدي به لتدني المستوى الطبقي الذي يعيش فيه بالتالي تقل مكانته بينهم.
وفي وقتنا هذا أشكال هذه المكانة تتعدد بل وتتمثل بجنون ملاحقتنا لأمور مادية مما يجعلنا نشعر بالقلق طوال الوقت للوصول إليها بدلاً من العيش والتركيز عمّا نحب فعلاً أن نعيشه مهما كان بسيطاً، وعدم تحقيق هذه المكانة سيشكل ضغطاً علينا ممن حولنا قد لا تحمد عواقبه على الذات.
يقول دي بوتون "اهتمام الآخرين مهم بالنسبة لنا لأننا نعاني من عدم اليقين الخلقي فيما يتعلق بقيمتنا، ونتيجة لذلك نميل إلى السماح لتقييم الآخرين بلعب دور حاسم في كيفية رؤيتنا لأنفسنا. إن إحساسنا بهويتنا أسير بأحكام من نعيش بينهم ".
لكن هل هذا هو حقاً المسعى الذي نريده لذواتنا الحقيقية؟ هل هذا ما يعكس ما نحن من الداخل أم أننا فقط نوهم أنفسنا بأن هذه المكانة تمنحنا ما نريد بالتالي نستمر في تغذيتها بمزيد من أعمارنا التي لا نعيشها إلا مرةً واحدة في الحياة.
برأيك كيف يمكننا التخلص من هذا القلق في سعينا لمكانة مجتمعية قد لا تشبهنا؟ أم أنه أصبح المقياس الأول في زمننا هذا والذي يجعلنا نحدد قيمة الأشخاص من حولنا بمعرفة مكانتهم الوظيفية أو الماركة التي يرتدونها إلخ..
التعليقات