مغالطة فكرية وللأسف منتشرة بشكل كبير في مجتمعاتنا العربية، يُعتقد بها أن الحضارة العربية و الإسلامية غير مساهمة في المجتمع، وأنها تخضع لعبودية فرضها الغرب بتعاليمه واختراعاته المدعَية، ويتمنون كعرب يصفون أنفسهم "بالمثقفين" أو أصحاب "النظرة الثاقبة" أن يكونوا ويصلوا لمثل ماوصل إليه الغرب من تطور، ضاربين بعرض الحائط جميع مساهامات حضارتهم المؤثرة.

الأمر يختلف تماما عن مايعتقدونه، فتلك مجرد مغالطة لا أصل لها. إن الأمم تأتي باكتشافات بعضها ثم تطورها وتزيد عليها لتكون ذا فائدة قصوى، وهذا مااحدثته الحضارة الإسلامية، إضافة إلى إيجادها واختراعها إلى أمور لم تكتشف أو تتواجد من قبل. وأبسط الأمثلة على ذلك، هي النهضة الكبيرة المؤكد عليها تاريخيا جراء ترجمة ودراسة العالم والفيلسوف المسلم ابن رشد لفلسفات أرسطو، ونقلها إلى الغرب إضافة إلى عديد من الفلسفات الممتدة بشتى المدارك، ليعود عن ذلك نفع له ولمحيطه، وليمتد أيضا غربا لمناطق شاسعة أبعد عن ذلك، لتكون شخصيته تلك رمزا يُشاد عليه في مسرحيات وروايات ذوي الديانات والأعراق المختلفة تكريما.

وعلى الرغم من أن ذلك كان تأثير جاء به استنادا إلى تعاليم حقبة أخرى من الإغريق، إلا أنه كون بذلك أثرا لا يمكن تجاهله إضافة إلى عديد إنجازاته. ومن أبسط الأمثلة التي تُعنى بالاختراع والاكتشاف المجرد دونما استناد، ترجع إلى العالم المسلم الخوارزمي، بتكوينه للأرقام الرياضية، التي لا شك كان تأثيرها غير قابل للتجاهل وحتى الآن، وينسب إليه كامل الفضل لما وصلت إليه التكنولوجيا الحديثة إلى يومنا هذا، فجميعنا بالطبع نعلم مدى أهمية نظم الخوارزميات في الأجهزة والذكاء الاصطناعي الذي يوشك أن يغير مجريات الكرة الأرضية بأكملها.

وبالطبع فإن الإنجازات الغربية متواجدة ولا تقل أهمية، لكن النبذ للإنجازات الإسلامية والعربية الهائلة أمر لا بَد منه ولا قدر من الصحة فيه، فيوجد فرق شاسع بين تقدير الانجازات ومساواتها، مع مقارنة حضارة كاملة بأسلوب فكري غربي يحتمل بعضه قلة ورع وتسيب أخلاقي.

فكيف لنا أن نتناسى جميع ذلك، وأن ننظر بضيق إلى الآفاق الشاسعة التي شرفنا بها أجدادنا انتماءً؟