هل من الممكن أن حقيقة "لا توجد حقيقة مطلقة" بمقدروها أن تكون حقيقة مطلقة في حد ذاتها؟

جرفنا جدالٌ قائم بيني أنا وصديقي نحو هذه الفكرة، التي ألقاها في حوارنا بدافع منبعث من حاجته لإثبات عجزي العقلاني بمنطقه عن الإجابة على أسئلته المطروحة عن الوجود الميداني والفوقي، فبعد أن ارتسمت على ملاحمه واجهة المندهش من شيء جديد وعبقري مخالف لماهو معروف انبثق في وعيه، استهل كلامه بنبرة متريثة من أجل تمهيدي لتلقي عبقريته المتوصلة لاستنثاج ستؤكد به حدودي - الموجودة بالفعل لكنه متغافل عنها - المعرفية، وهنا حيث أدلى بالفكرة المكتوبة في أول سطر.

   كان ردي ضعيف حتى يقتنع بأن فكرته فندت، فلقد كان مؤداها أن فكرته تتضمن مغالطة منطقية مسماة ب"الإستدلال الدائري"، حيث أنني جادلت بأنه ليس من المنطقي إثبات وجود شيء من نفس ذاته، أو عكسه وإثبات هذا الأخير بأصله، حيث أننا نحتاج لحجج خارجة عن ذات الشيء المراد إثباته، فبما أننا نريد إثبات مصداقية و مدى صوباوية فكرة، فنحن بحاجة إلى الحياد في المسائلة، ولنحقق ذلك فالإبتعاد عن ذات الشيء شرط ضروري. في الحقيقة أعتقد أنه رد معقول، لكن المراجع كانت تنقصني حتى أجزم بتصوري الصائب اتجاه ردي.

  لكنني توصلت إلى تبرير أقوى من سابقه وجله مبني على المنطق، وتوضيحه لكم يبدأ من أن "الحقيقة المطلقة" ليست حقيقة مطلقة بنيوية، لأن الشخص كلي المعرفة عن الوجود هو الوحيد الذي بإمكانه إدراك وجودية "الحقيقة المطلقة" من انعدامها، وقدرات الإنسان اتجاه المواضيع القابلة للدراسة والاكتشاف المعرفي جد محدودة ، فإذ اجتمع كبار العلماء و المختصين، لأتو ببعد واحد أو عدة منه في ذلك الموضوع وبقي غيره خفي، وهذا منعكس في مجالات اليوم أيضاً. ومنه نستبطن أن أرجحية وجود كائن إنساني مطلق المعرفة منعدمة. وبالتالي، تفنيد الفكرة القائلة أن "الحقيقة المطلقة" حقيقة مطلقة في حد ذاتها. زد على ذلك، نسبيتها المتمثلة في المعارف المستقبلية الآتية بالضرورة بعامل مختلف المباحث العلمية النشيطة، التي يحتمل أن تتبين فكرة ثتبث طلاقتها على مختلف الأبعاد بالوجود. والشخص كلي المعرفة ستكون لديه نظرة شمولية كاملة عن الكون، وبهذا ستكون له الفرصة على أن يعرف الهيولي(الجوهر) المطلق الذي سيبني عليه "الحقيقة المطلقة".

________________________________________________________________________

إعادة الصياغة للفقرة السابقة الجوفاء من التبسيط بتعقيدها المتعدد :

 منذ بدايات الإنسان في استخدام الفكر، والتفاعل مع الواقع بآليات ذهنية مفرطة التعقيد، وهو يحاول البحث و الوصول إلى "الحقيقة المطلقة"، ففي مرحلة من حياة العالم أو الباحث ولربما حتى المثقف، سيحدث لهم إنجراف في حياتهم نحو السعي من أجل اكتشاف أو توليد " الحقيقة المطلقة "، وإلى يومنا هذا مزال المسير مستمراً نحوها دون أي احتمالات.

إلا أنه ذات يوم، أثناء جدال ثقافي مع صديقي، بادر الأخير بتقديم فكرة أيقنت لوهلة أنها "حقيقة مطلقة"، والتي كان في مضمونها: بما أن العالم أيسره مؤمن بعدمية "الحقيقة المطلقة"، إذا فهذه الفكرة بحد ذاتها حقيقة مطلقة!!

حقاً انبهرت من هذه الفكرة في أول لحظة أسمعها، إلا أنها الأن أصبحت مجرد نسبية كغيرها من الأفكار، وذلك تحقق عبر معرفة أن الحقيقة المطلقة لايمكن أن تكون حقيقة مطلقة في حد ذاتها، لأننا لانعرف مع الإثبات إلى الأن هل العالم بحق خال من أي حقيقة مطلقة، وإن كان ليس كذلك فإنه بحدود معارفنا - النسبية - اتجاه العالم ، ومعرفتها تلزم كائن واحد إنساني كلي المعرفة حتى يدركها، و هذا مستحيل لأنه إن كان، فسيكون عندها إله، ونحن نطلب العون من إنسان، فقط .