الوجودية .. فلسفة السواد

يرى أتباع المذهب الوجودى أن الإنسان هو الحقيقة الوحيدة في الكون؛ فلم يخلق قبله شيء ولن يخلق بعده شيء! وعليه أن يحيى بمطلق حريته .. والوجودية تُعنىَ بإبراز قيمة الوجود الفردى للإنسان بإعتباره مركز الكون؛ وقد قسم المفكرين الوجودية إلى قسمين:

  • الوجودية الدينية (اللاهوتية):                                                                                                                                      

يمثلها: سورين كيركجارد وغابرييل مارسيل وكارل ياسبر، ويعتبر "كيركجارد" الأب الروحى للوجودية وهو المؤسس الأول لها؛ ويرفض "كيركجارد في مذهبه أي دور للعقل في الوصول إلى الحقيقة ويرى أن التوجه المباشر إلى الله بدون أية وساطات هو الطريق الوحيد لبلوغ الحقيقة اليقينية، ولذا فهو يؤكد بعناد"إن الحقائق والمبادئ العلمية التي تُلزم الغقل بتصديقها-لأنها ضرورية وعامة الصدق-لا تلّزُمنى ولا تهُزنى بما أنا وجود فردى وحيد، ولا تُجيب عن أسئلتي القلقة عن حقيقتي ومصيري."                                                 أما "مارسيل" فيُصنف على أنه رائد الوجودية المسيحية، الذى ينزع إلى التفاؤل ويرى أنه من خلال الإيمان بالرب يمكن أن يحل الإنسان مشكلاته ويتجنب أي مصير مأساوى، أما "ياسبر" فكان موقفه من تَصدر المنطق الجدلى؛ المنادى بالفصل بين أن تكون إما مؤمنًا وبالتبعية رافضًا للعلم، أو تكون ملحدًا وبالتالي رافضًا للإيمان؛ فاختط "ياسبر" نهجاً متصالحًا جمع فيه بين العقل والإيمان من ناحية والعلم والدين من ناحية أخرى                                                                          

  • الوجودية الملحدة :                                                                                                                                                  

وهى الأبعد أثرًا والأكثر إنتشارًا؛ ويمثلها جان بول سارتر، و سيمون دى بفوار، و مارتن هيدجر، و البير كامو؛ وهؤلاء يرون أن الله عاجزًا عن حل مشاكل الإنسان – تعالى سبحانه عن ذلك علوًا كبيرًا – وعليه فقد أنكروا وجوده؛ واعتبروا أن الإنسان خالق لنفسه، ودعوا إلى نبذ القديم والموروث دينًا كان أو عرفًا إجتماعيًا، ولكى يجد الإنسان ذاته يجب عليه أن يطلق العنان لحريته وغرائزه وشهواته متحللًا من كافة القيود؛ ويرى"سارتر" أن الوجود يسبق الماهية (الجوهر) ويقصد بالوجود وجود الإنسان ذاته؛ مثل وجود عمر أو سليم إلخ والماهية هنا هي مايمثله عمر كأنسان في حياته ومعتقداته وآراءه ويميزه عن غيره من البشر، والوجودية الملحدة تؤمن بعبثية الكون والشك (من أكون وماذا أكون) ولعلنا نذكر قصيدة الطلاسم للشاعر "إيليا أبو ماضى" (هاجمها الأزهر) والتي غناها "عبد الوهاب" جئت لا أعلم من أين ولكنى أتيت، ويقول البير كامى:" الموت برهانًا نهائيًا على عبثية الكون والبشر، إنّ جزعى من الموت ينال من غيرتى الشديدة على الحياة، وإذا كنت أرفض رفضًا باتًا وعود العالم الآخر؛ فذلك لأننى لا أرغب في التخلي عن خصوبة اللحظة الماثلة وما فيها من ثراء؛ كما أننى لا أعتقد أن الموت يؤدى إلى حياة أخرى فالموت بالنسبة لى بابًا موصدًا" إنتهى                                                وإذا كان "سارتر" يلح على مسؤولية الفرد عن حريته؛ فإن هذا الإلحاح لن يجدى نفعاً مع هذه الحرية المنفلتة، وهوس الإنسان الوجودى بالحرية المطلقة سيفضى حتمًا إلى إنتهاك حرية الآخر؛ مما يعنى التملص من المسؤولية الأخلاقية لمضمون الحرية .. والمحتوى الفكرى للمذهب الوجودى ملتبس بالإبهام والتشاؤمية؛ ولعل مقولة الكاتب الراحل"أنيس منصور" بأن "الوجودية لا تريح القارئ ولا تريح من يفهمها ولا من يعيشها" خير مُعبر عن حالها خاصةً وأنه من قام بتدريسها فى جامعة عين شمس؛ واستمع ل"سيمون ديبفوار" وهى تردد:" إذا كانت الوجودية تُقلق فذلك لأنها تتطلب توترًا مستمرًا" إنتهى

وختامًا. هل يمكننا القول بأن؛ الشخص النفعي (الأنانى) الذى يسعى لإشباع رغباته، وتحقيق ذاته ولو على حساب الآخرين. بذريعة مباشرة حريته؛ هو إنسان وجودي وإن لم ينتمى!     هل تشاطرنى الرأي أم لك رأيًا آخر؟