هناك بعض المهام و المشاوير التي يتوجب علي القيام بها دورياً و بانتظام والتي أجد في تنفيذها صعوبة جمة و يصيبني التردد و الإحباط و الإكتائب قبل إتمامها، و أقمع نفسي الكسولة  المترددة قمعاً شديداً حتى أتمكن من إجبارها على القيام بها، و لأجل ذلك أستعين بترديد قول حماتي الغالية "يوم الطحان يوم".فأخطف نفسي من نفسي قبل أن أغير رأيي للقيام بتلك المهمة الثقيلة. 

الغريب في الأمر، أنه بمجرد إتمام تلك المهمات، رغم ما يسبقها من تردد  و مماطلة و تسويف، و ما يصاحبها من عذابات و تنغيصات و نكرزات، إلا أنني أشعر بتغير ايجابي كبير ذهنيا و عاطفيا و نفسيا و جسديا بعد إتمامها.

من مثل ذلك: الذهاب للحلاق و قص شعر الرأس، و ذلك على سبيل المثال لا الحصر طبعاً.

الذهاب للحلاق لقص الشعر، مغامرة  تستلزم التأهب و الإستعداد و التخطيط المحكم، فهي تستنفذ من وقتك الكثير، سواء بالانتظار إذا كان يسبقك زبون دمه خفيف، و حلاق ثرثار فيستغرقان ساعة كاملة في حلاقة شعر الرأس (رغم أنهما شعرتين ليس أكثر) و غسيل الرأس من قبل ومن بعد، وحلاقة الذقن و ما يتخلل ذلك من عنتريات و استعراضات (من الحلاق و المحلوق له)بما خصه الله من ذكاء و جمال و نفوذ و معارف و أموال و سيارات و مباني و أولاد ما خلق ربنا غيرهم، فتتمنى ساعتها لو أن الله حرمك من نعمة حاسة السمع.

المهم بعد كل ذلك و ما أن يأتي دورك لتسليم راسك للحلاق، فإنه يشعرك دائما أنه كان عليك أن تحضر الأسبوع الماضي  و ليس اليوم، و أن شعرك يناسبه كذا و لا يناسبه كذا، وأن عليك أن تستخدم كريم كذا، و ماكنة حلاقة نوع كذا، وعليك أن تجيبه على أسئلته كلها، وأن تؤيده بموقفه من الدراما التركية، و الخلاف الروسي الأوكراني، و الحرب التجارية بين أمريكا  و الصين، و تشتم البلدية و مجلسها الحالي، وأن تخبره من ستنتخب في الانتخابات القادمة، وأن تصدق معه أن الزعيمالفلاني العربي أصله يهودي أو على الأقل أمه يهودية، وأن أدهم النابلسي منافق (أو ملاكطاهر). واذا لم يجد ما يحدثك به فإنه سيسرد عليك أحداث آخر حلقة من مسلسل قيامة ارطغرل وهو طبعاً بين كل ضربة مقص أو سحبة مشط يتوقف دقيقة يأخذ نفساً عميقاً من سيجارته و يرتشف رشفة من كوب القهوة المرافق له و يسمعك نكتة أو حكاية أو معلومة جديدة سمعتها منه ألف مرة قبل ذلك.

إياك ثم إياك أن تختلف معه، أو تعترض أو أن تجادله، أو حتى تسرح و تصمت، عليك كل دقيقة أن تؤكد له أنك تؤيده و أنه وحيد عصره و زمانه وإلا فلا تضمن أن لا تجرح في رأسك أو رقبتك أو تحت أذنيك، أو على الأقل يحلق لك جانبا و يترك جانبا فتخرج من عنده كأنك محمد صبحي في مسرحية (الهمجي).

ولكن رغم كل ذلك، فإني بمجرد إتمام الحلاقة اشعر أني إنسان جديد،أدخل إلى صالون الحلاقة و أنا اشعر نفسي كالحطيئة أو عبد الوارث عسر أو ترامب، و أخرج و أشعر كأنني ليناردو دي كابريو  أوشاروخان.

غسيل السيارة و إن كنت أحاول تأجيله قدر المستطاع، لأنك تذهب إلى محطة الغسيل كأنك ذاهب إلى مفاعل نووي  أو مركز إطلاق الصواريخ الفضائية التابع لناسا في كليف لاند  ميامي، يعطيك الغاسلون و صاحب المغسلة الانطباع أن عملية غسيل السيارة عملية معقدة تكنولوجية فضائية نووية كمبيوترية لا مجال لتفهمها، فيطلبوا منك أن تلزم مكانك دون أن تتدخل بعمليتهم المعقدة المبرمجة الغامضة.

 ولكن بمجرد أن يتم الغسيل، و تخرج بسيارتك النظيفة، تشعر أنك سائق فورملا ون وأنك لا تقل عن شوماخر أو المرحوم السائق البرازيلي الشهير سينيا أو على الأقل بن عطية، و تتحول سيارتك من هونداي غيتس 2009  إلى لاكزس  أو فراري .

زيارة طبيب الأسنان  تسبب لي التوتر  كما هي زيارة الحلاق، فهناك وقت كثير يمضي و أنت تنتظر،ثم  و أنت بين فتح الفم و مكابدة ألم النقر و الحفر و الزرع و التنظيف، و تشعر أن طبيب الأسنان دائماً سادي الطبع (فرغم رقته بالتعامل قبل بدأ العمل بأسنانك و حديثه اللطيف و كرمه الحاتمي و دماثته المعروفة عنه)، إلا أنه بمجرد أن تجلس على الكرسي و تسلم أمرك لله و أسنانك للطبيب، يتحول إلى وحش كاسر يمارس عمله بحب و تفاني و فرح تراه أنت أنه مكايدة و تَرَصُد.

لكن ما أن تنتهي  من تلك المغامرة، حتى تخرج للناس واثقا باسما ضاحكا تكاد تنقلب على ظهرك من الفرح و الفخر بأسنانك، وأنك أتممت  مغامرتك مع طبيب الأسنان و أنت بخير ، و من شدة فخرك بنفسك، تكاد تسلم و تصبح و تمسي على كل من تمر به بالطريق، و تتعمد أن تضع وجهك مقابل عينيه محدثك ليرى ابيضاض أسنانك، فتشعر أن ابتسامتك أصبحت اجمل من ابتسامة توم كروز.

أشياء بسيطة، تجعلنا تعساء يقتلنا الاكتئاب  و الضيق و الملل و الكسل ، وأشياء أبسط تجعلنا سعداء نشيطين واثقين مقبلين على الحياة.، فسبحان الله و له الحمد من قبل و من بعد.

تحياتي للجميع و دمتم.