نعاني في مصر حاليًا من أزمة انقطاع التيّار الكهربي بشكل متكرّر. وقد ذكّرتني هذه الأزمة بأزمة جائحة الكورونا، لا لسببٍ إلّا لأنها أشعرتني بنفس التقارب الجبري بين أفراد الأسرة خلال وقت الأزمة، الذي يكون مسلّيًا وحميميًّا للغاية رغم المشكلة.
لذلك أود أن أطرح المحيّر هذا السؤال عليكم: لماذا لا نتقرّب داخل الأسرة إلّا في الأزمات؟
أعتقد أن هناك بعض الأسباب التي تفسر لماذا لا نتقرّب داخل الأسرة إلّا في الأزمات، وهي أنه:
ولكن هذه ليست حججًا كافية لتبرير عدم التقارب داخل الأسرة في غير الأزمات. فأفراد الأسرة هم دائمًا جزء لا يتجزأ من حياتنا، سواء في السراء أو الضراء، ويستحقون منَّا كل الحب والإحترام والإهتمام. لذلك، يجب علينا أن نحافظ على علاقات قوية وصحية معهم، بغض النظر عن الظروف. يجب علينا أن نجعل من التقارب داخل الأسرة عادةً جميلةً، لا حدثًا استثنائيًَّا.
بالتأكيد لا نبرّر اقترابنا خلال هذه الأوقات بابتعادنا في الأيام الروتينيّة فعلًا يا أحمد، خصوصًا في سياق ما نشعر به من الدفء والمرونة في التعامل. لكنني في المقابل لا أرغب في الميل جهة العاطفة، حيث أن العمل على تحويل مثل هذه الأوقات إلى روتين من الممكن أيضًا أن يكسبها الطابع نفسه، وبالتالي نجد أنفسنا أمام علاقات روتينيّة لا تتماسك وتلتزم بتجمّعات من باب الواجب فقط. لهذا لا يجب أن نفرط أيضًا في لوم أنفسنا على بعض الانشغالات.
يمكن أن يكون السبب في عدم تقرّبنا داخل الأسرة إلا في الأزمات بسبب انشغالات الحياة اليومية وبسبب وجود تحديات أخرى ومتنوعة تشغل اهتماماتنا ونواجهها يومياً، والتي قد تحول دون تفرغنا لتواصل أكثر مع أفراد الأسرة.
علاوة على ذلك، من الممكن أن يكون الضغط الاجتماعي من خارج الأسرة يعمل على تباعد الأفراد داخل الأسرة. فمن المحتمل أن يفضل الأفراد قضاء وقت أكبر مع أصدقائهم ومعارفهم لتبني قيم وأنماط جديدة مختلفة عن تلك التي تربوا عليها في الأسرة.
وقد يكون هناك عدم فهم لدور الأسرة كوحدة اجتماعية مهمة، وعدم وعي بأهمية الاتصال والتواصل داخل الأسرة لبناء علاقات أكثر صلة واجتماعية أكثر صحة واستقرار أكبر.
بعض العوامل التي قد تساعد على تقريبنا داخل الأسرة أكثر هي الاستغناء عن الهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي أثناء تناول الطعام، والتفاني في مشاركة الأنشطة اليومية التي يحبها أفراد الأسرة، والتحدث بصراحة وافتتاح الحوار البناء.
بقية الأسباب تبدو واضحة فعلا يا وليد. لكن لكرة الضغوط الاجتماعية هي الجانب الأكثر تميزا مما أشرت إليه. وعليه، أجد أن الأفكار بمجملها تتسع لتبرير الضغط الاجتماعي، حيث أننا في كثير من الأحيان نكون مستعدين للتعامل مع الضغوط خارج المنزل. لكننا نفرغ غضبنا منها في داخله نظرا للظروف المهنية والاجتماعية ومحدداتها، وهو ما يؤدي إلى تباعد أطراف الأسرة بهذن الدرجة. وعندما تزول هذه الضغوط، نجد أنفسننا أمام بعضنا البعض بالمزيد من الراحة.
لماذا لا نتقرّب داخل الأسرة إلّا في الأزمات؟
مشكلة إنقطاع الكهرباء بالرغم من أنها ظرفية إلا أن عواقبها وخيمة على الفرد وعلى الشركات أيضا، فالعديد من الأعمال يتسبب الإنقطاع الكهربائي في فقدانها، مثلا؛ حدث إنقطاع مفاجئ قبل دقائق وكان الأمر مزعجا حقا وتسبب في عطل كهربائي في جهاز التلفزة.
صحيح أن التقارب الأسري الجبري يتولد عبر حدوث هذا النوع من المشاكل لكن هذا ليس مبرّرا لهذا أبدا.
أعرف عائلات حتى في زمن كورونا كانت منغمسة في هواتفها دون حراك، مشكلة التقارب الأسري عميقة للغاية خاصة ف يعصى التقنية فما تجمعه كورونا تفرقه الهواتف.
لا مشكلة أيضًا في بعض التسلية يا إكرام. لا نريد أن نحكم على أنفسنا بمعايير غير مناسبة لعصرنا، فاللوم على الإفراط في استخدام الإنترنت في هذه الفترة ليس عادلًا على الإطلاق. بالتأكيد تتذكّرين كم الملل والصعوبة التي عانيناها، وبالتالي لا يسعنا أبدًا أن نحرم الإنسان من الأدوات التي تساعده على البقاء في داخل المنزل. من الممكن أصلًا أن يكون الإنترنت سببًا في بقائنا حتّى الآن كبشر، حيث استطعنا السيطرة على المرض والتوعية ضده من خلاله.
: لماذا لا نتقرّب داخل الأسرة إلّا في الأزمات؟
نشاركك أيضا في الأردن من مشكلة انقطاع الكهرباء، مما يؤثر على الإنتاجية في العمل، ولكن من جوانب أخرى، نجد أوقاتاً إضافية لقضاء الوفت مع العائلة.
نحن لا نريد أن نبتعد عن عائلتنا، لكن المسؤوليات في هذا الكون تتضخم يوماً بعد يوم، فما الذي يجعلنا نغادر التجمع العائلي، ونغلق باب الغرفة، ونقضي وقتاً مع جهاز الحاسوب أكثر من شريك الحياة؟
إنها مسؤولية الحياة، وليس حب الابتعاد عن الأهل.
بالإضافة إلى حب التعلم، فمثلا أنا من الأشخاص الذين يحبون الالتحاق بكورسات أونلاين باستمرار، وأغلبها تكون مجانية لوقت مجدد، لذا أجدني أعتذر عن الاجتماعات العائليةـ أو العزائم من أجل حب التعلم.
الحياة تجعلنا دائما ندفع ثمن أمر ما، والثمن هو الوقت!
لم أعلم أن الإخوة في الأردن يعانون من المشكلة نفسها يا سماح. كان الله في العون. أعلم أن الأمر ليس بالسهل على الإطلاق.
فيما يتعلّق بالمسؤوليات، أتفهم جدًّا أسباب الانغماس فيها، وبالتالي لا أريد على الإطلاق أن أطلق الأحكام، لأن الزمن الذي نعيشه أساسًا يعتمد على عبودية غير محدّدة خلال ساعات اليوم، قد تصل بالإنسان إلى أقصى مشكلات الانشغال، ولن يُلام عند عدم استقراره الاقتصادي هو وأسرته سواه. لذلك لا يجب أن نقسو على أنفسنا أيضًا. يجب أن نلتمس العذر ونضع الظروف العصرية في الحسبان.
بالفعل أن نكون رحماء على أنفسنا ورحماء على كل من حولنا، هو أمر بالغ الأهمية لاستمرار التوازن في الحياة.
لا أنكر بأن الحياة قاسية جداً في العالم العربي، والرفاهية محدودة، وأتمنى أن نجد المزيد من الوقت مع العائلة والأصدقاء..
قد أكون أكثر الأشخاص القادر على تفهّم ما تطرح الأن يا علي، فأنا من سوريا وأعيش في مصر، مسألة قطع الكهرباء في سوريا تعدّ مسألة روتينية طبيعية رغم أنّها كارثية، لأعطيك مقارنة فقط لتفهم الوضع جيداً: في مصر تنقطع الكهرباء بحدّ أقصى 3 ساعات عن المناطق، أما في سوريا فهذا الرقم هو ساعات الوصل! - الخوف أو الإزعاج أو الحزن أو العَتمة هي أمور تجعلنا نتكاتف مع بعضنا البعض، في بلادي بعد الحرب يُقال كثيراً: بأنّه صديق السلاح، بأنهم أخوة - يسأل أحدهم ما الذي قرّب عقليات هؤلاء بين بعضهم في بيئة كهذه مثلاً، كالجيش؟ والجواب الخوف الذي كانوا يعانون منه وليالي العتمة والحزن والإزعاج، كل هذه الأمور جعلت منهم أخوة لاضطرارهم لرعاية الأخرين ورعاية الأخرين بهم في حال الحاجة.
الظروف الجديدة مخيفة بعض الشيء على مصر، سوف يتعايش الناس مع الواقع الجديد بأسرع مما تتخيّل، على أنني أرجو أن لا يصير هذا التعايش أمراً واقعاً فعلاً من الأساس.
إن الأمر مرعب فعلًا يا صديقي. وفي هذا السياق أيضًا يا ضياء، تعاني لدينا بعض المناطق من هذه المشكلة، فعلى الرغم من أن الانقطاع في المدينة يكون من ساعتين لثلاثة ساعات، فقد وصل في منطاق في الأرياف إلى أيام.
في الوقت الحالي تقل حالات الانقطاع، حيث أصبحت ساعة واحدة في اليوم، بالإضافة إلى أنها تتم وفقًا لجدول ثابت منشور في مختلف الأمكان، لذلك يمكننا التنبّؤ بها والاستعداد لها.
إلى أنها تتم وفقًا لجدول ثابت منشور في مختلف الأمكان
أكثر ما يُخيف هو هذا الأمر بالمناسبة، الجدولة يعني أن هُناك خطط لاستدامة هذا الموقف لأكثر من نصف سنة على الاقل، أي أنّ الأمر أكبر من مسألة ضغوطات على الشابكة بسبب الحرارة وارتفاعها، إذاً على المصريين أن يتهيّء الواحد منهم للتعامل مع الأزمة ويتوقع أن تطول، لا أعتقد أنّهُ يحتاج في البداية إلى أكثر من بطارية بعدد أمبيرات بسيط من أجل الإضاءة والأنترنت كحل أولي بسيط.
لماذا لا نتقرّب داخل الأسرة إلّا في الأزمات؟
فعلياً عند وقوع الأزمة يتوقف سبب انشغالنا عن الأهل مثلاً كورونا توقفت الأعمال جميعها فتقاربنا تقارباً جبرياً مع اهلنا وكذلك عن انقطاع التيار الكهربائي . فنجد أن ملاذنا للتسلية هو أهلنا وأحبابنا .
للأسف ما يحصل سببه التفكّك الأسري الذي منذ عقود يُدق ناقوس الخطر حوله. لذلك فهذه الأزمات التي يكون فيها هناك نقص لدى الأطراف تدفع إلى اللجوء إلى بعضهم البعض. فاليوم من أعظم مشاكلنا التفكك الأسري الذي بات يشكل حجر عثرة في حياتنا.
التعليقات