يقول البعض أنّ السينما مرتهنة لشروط واقعها، ولكن يتناسون فعلاً ما يعرفه الكل منّا، أنّ ما نراه هذه الأيام من شاشات الحاضر سنتجاوزه بأقدار ما في أزمان لاحقة، كما تخطّيْنا أطوارها السابقة، أي أنّ كُل ألم وكل ما نعيش من قضايا نريد تمريرها وتحسينها وأوضاع نُفضّل تجاوزها ونعبّر عن ذلك فيه عن طريق السينما، سيكون ساذجاً مهما كان في مُهمّاً في قادم الأيّام. 

تُريد أن أضرب أمثلة مثلاً عن الأمر، تخيّل لو أنّ صنع الأوائل مثلاً فيلماً عن قضيّة عدم رمي فضلات المنازل من أسطح البيوت (كما كانت تفعل أوروبا في القرن السابع عشر) مهما كان هذا الفيلم جميلاً، هل ستستطيع اليوم أن تُكمله؟ ما هي الحبكة؟ قصّة لا تمس واقعك اليوم ولا يمكن أن تُمتعك حتى. 

أقولها بصراحة وأتفق مع كلّ النقّاد اللذين يقولون بهذا الأمر: أكل السينمائيون وخبزهم وحلّهم وترحالهم وتركيزهم وصناعتهم كلّها يجب أن تكون مرتكزة فقط على ومن تسلية الناس وصرفهم عن ضغوط معاشهم وهمومهم اليومية، أحبّ ما تذهب إليه مثلاً أمريكا وفي هوليوود خاصّةً حيث تسمّي قسم صناعة الأفلام عندها بأسم مختلف عن باقي الدول، تسمّي قسمها: entertainment section، أي قسم الترفيه، تتصدّر الولايات المتحدة الأمريكية دائماً في شبّاك التذاكر لإنّها تصنع أفلام تُباع، أفلام تُمتع، ترفّه ووظيفتها قضاء عطلة نهاية أسبوع رائعة وممتعة، هل أنا ضدّ السينما الراقية؟ سينما تاركوفسكي مثلاً أو بازوليني وغودار؟ بالطبع لا، لكن أنا ضد السينما المؤدلجة، أي التي تُصنع لتقول، لتمرر قضايا، لتناصر أمور وتيارات وأفعال، لتغير سلوك، هذا يجب أن يكون عرضاً في صناعة السينما أو بمهمّة جانبية، من أسوء الأمور التي يأخذنا بها السينمائيون، خاصّة العرب منهم: أدلجة السينما، حشوها بالحمولات الأخلاقية والقضايا الأثقل من المُتَع. 

أخيراً أقول وأسأل: دعونا نُتابع مثلاً المسلسل الشهير thirteen reason why، ستشعرون أنّ ما كتبته أعلاه أضرّ فعلاً بالمسلسل، كانوا يصنعون فيلم لأجل مناصرة قضية التنمّر والقضاء على الظاهرة، لم تكن ببساطة حكاية عن التنمّر، لذلك هل تعتبر مثلي أنّ الأثقال فعلاً نابعة من حشو أفلامنا بالقضايا والأخلاقيات ومناصرتها؟ أم أننا لا نفهم أصلاً معنى الدراما بالعمق كما يفهمها الأمريكيون؟ ولو خُيّرت فعلاً بالقيام بمفاضلة بين الأمرين، الأخلاقيات ومناصرة القضايا مع المُتَع والترفيه، ما هو خيارك الأمثل؟.