اضطراب الشخصية السيكوباتية من أصعب الاضطرابات التي يمكن اكتشافها، في هذه الحالة يبدو المريض شخصاً طبيعياً، وربما يظهر كشخصية فاتنة وليست طبيعية فقط. يتلاعب ذهنياً بضحيته حتى تقع في شِباكه، ومن بعدها يتفنن في طرق الحصول على ما يريده وفق أصول وقواعد يضعها شخصياً من دون أي إحساس بالذنب.
شخصية مثيرة للاهتمام والخوف في آن معاً!
يفتقر هذا الشخص إلى الضمير والقدرة على التعاطف مع الآخرين، وهو ما يجعله متلاعباً ومتقلِّباً، يتراوح بين إظهار الصفات الجيدة والسيئة حسبما تقتضي مصلحته.
وقد يتورط هذا الشخص في ارتكاب الجرائم الجنائية. فعلاج هذا الاضطراب صعب جداً بالنسبة للبالغين.
من هو الشخص السيكوباتي؟
يُستخدم مصطلح السيكوباتي للإشارة إلى شخص لديه ميول معادية للمجتمع.
هذه الميول تعود إلى عوامل اجتماعية أو بيئية، وقد تكون الصفات الذهنية التي يتسم بها الشخص السيكوباتي فطرية أكثر من كونها مكتسبة.
يتميز هذا الشخص بعدد من الصفات السلوكية والاستجابات العاطفية غير الطبيعي؛ فتفتقر مشاعره إلى التعاطف، والشعور بالذنب أو الندم، كما أنه يتحلى دوماً بالتلاعب والخداع.
غالباً ما يكون هذا الشخص غير مسؤول، ويتجاهل القوانين أو الاتفاقيات الاجتماعية.
قد يكون الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب فاتنين بالنسبة لغيرهم، وما يجعلهم هكذا هو أنهم مراقِبون جيدون جداً للسلوك الإنساني، وغالباً ما يكونون قادرين على محاكاة الحُب والخوف والندم والعواطف الأخرى جيداً بما يكفي لتقمُّص هذه المشاعر حتى دون أن يشعروا بها حقيقةً.
يشمل مصطلح السيكوباتي مجموعة سمات شخصية، تتعلق في الغالب بالخصائص المعادية للمجتمع.
وتشمل السمات الأساسية كلاً من العداء تجاه الآخرين والاندفاع العام أو التهور، فتنخفض لدى هذا الشخص مستويات قبول الآخرين.
كما تنخفض مستويات الضمير، الذي يعتبر وسيلة ضبط النفس ومحاسبتها واعترافها بالخطأ وقدرتها على تصحيحه.
أسباب اضطراب الشخصية السيكوباتية
ليس من المعروف على وجه الدقة، ما الذي يتسبب في حدوث اضطراب الشخصية السيكوباتية، لكن من المحتمل أن يكون مزيجاً من العوامل الوراثية والبيئية والشخصية.
فمن المرجح أن يرث الأطفال اضطراب الشخصية السيكوباتية من أبوين لديهما الاضطراب نفسه، وهو ما يشير إلى التأثير الوراثي.
كذلك، فإن التعرض لمخاطر الحياة المبكرة وبعض السلبيات في التربية من الممكن أن يتسبب في حدوث هذا الاضطراب، نعطي أمثلة:
- تركيز الأبوين على العقوبة في أثناء التربية بدلاً من المكافأة.
- تعاطي أحد الوالدين المخدرات.
- الانفصال عن أحد الوالدين أو عدم مشاركتهما في حياة الطفل.
- الاعتداء الجسدي على الطفل أو إهماله.
كل هذه الأسباب قد تجعل الطفل يتحول إلى "سيكوباتي".
علامات وأعراض
على نطاق أوسع، يُعتقد أن الشخصية السيكوباتية تتكون من عدة سمات، منها:
1- تكون الشخصية إلى درجة كبيرةٍ، فاتنة وتستطيع جذب الآخرين، لكن هذه الفتنة المبالَغ فيها تكون سطحية فقط، وتتبدد بمجرد الاقتراب من الشخص.
2- لدى المريض شعور كبير ومُبالَغ فيه بعظمة ذاته.
3- حاجة المريض المستمرة إلى التحفيز، وإظهار الحُب والإعجاب المُبالَغ فيهما من المحيطين به.
4- يجيد هذا الشخص الخداع والتلاعب بالآخرين، فيتمكن بسهولة من الغش والكذب، للتأكد من حصوله على النتائج التي يريدها.
5- عواطفه ضحلة، ولا يتورط شعورياً بصدق مع أحد، فبرغم المشاعر التي يبرع في رسمها على وجهه من حُب ووُد واهتمام وتأثُّر وتفهُّم وكره لأعدائك، فإنه في حقيقة الأمر يعاني فراغاً انفعالياً شديداً، قد يصل إلى حد أنه ليست لديه أي مشاعر أو أحاسيس من الأساس.
6- التركيبة النفسية للمصاب بهذا الاضطراب تكون قاسية، فهو لا يتعاطف إلا نادراً، أو لا يتعاطف على الإطلاق، كما يُظهر هذا الشخص قدراً متطرفاً من الأنانية.
7- لا يستطيع أن يعترف بخطأ فِعله، أو يندم على أي تصرف سيئ قام به، وقد يضحك بسخريةٍ ممن يضر به.
8- لا يستطيع أن يتحمل مسؤوليته الشخصية، وفي الأغلب يُلقي باللوم في أي مشكلة أو أزمة على الآخرين.
9- عادةً ما يكون نمط حياته طفيلياً، فيعتمد في حياته بالكامل على شخص آخر يستطيع أن يقوم بدلاً منه بمسؤولياته ومهامه، فيحاول طوال الوقت استخدام الآخرين لتحقيق مصالحه.
10- لا يوجد لدى المريض أهداف واقعية طويلة الأجل.
11- لديه اضطرابات في العلاقة الجنسية وسلوكيات ملتوية وخاطئة.
12- من المحتمل أن تقوده معاداة المجتمع إلى ارتكاب جرائم جنائية.
لا يجد الشخص السيكوباتي صعوبة في فهم ما يفكر فيه أو يريده أو يعتقده الآخرون.
ورغم أن سلوكه يوحي بأنه لا يفكر في أفكار الآخرين، فإنه يفهم تماماً ما يفكر فيه ضحاياه ولكنه لا يهتم، ومن هنا تأتي تصرفاته غير المبالية بمشاعر الآخرين وأفكارهم.
يُعتبر هذا الاضطراب مرضاً عقلياً، وكما هو الحال مع المرض العقلي بشكل عام، لا يوجد علاج معروف له.
وثبت أن علاج المرضى البالغين الذين يعانون هذا الاضطراب غير فعال، وإن كان قد ظهر بعض الأمل في معالجة الأطفال الذين يعانون هذا الاضطراب.
تعامُل الشخص السيكوباتي مع الآخرين
كانت النظريات النفسية تفترض أن الأشخاص الذين يعانون اضطراب الشخصية السيكوباتية لا يشكلون روابط دائمة مع الآخرين.
ولكن ثبت أن هذا غير صحيح، فقد يكون مرضى هذا الاضطراب أشخاصاً اجتماعيين للغاية، ويحافظون على الروابط الاجتماعية على مدار سنوات.
قد تكون لديهم علاقات مع الأصدقاء وزملاء العمل والأقارب والأشقاء والآباء والشركاء الرومانسيين والأبناء، فهذه العلاقات تخدم احتياجاتهم الاجتماعية والمادية، لكن كل فئة منهم تعاني في التعامل مع الشخص السيكوباتي.
نذكر أمثلة:
مع الأولاد
– يعاني أبناء الشخص السيكوباتي الإكراه على فعل أشياء معينة وسلوكيات محددة، يبدأ هذا الإكراه مبكراً جداً.
ويعني الإكراه إجبار الابن على الامتثال لما يريده هو، يتم هذا بدافع السيطرة على الآخرين وأن يتحولوا إلى أداة في يده يمكنه استخدامها.
عادةً ما يتميز الأب السيكوباتي بالعدائية تجاه الأطفال وإهمالهم.
كما يعاني الأطفال الدفء المنخفض في البيت، ورداءة العلاقة الزوجية بين الأبوين والإسكان غير المستقر والبيئة المنزلية الفوضوية.
مع الزوجة
– زوجة الشخص السيكوباتي تعاني بسبب أن زوجها قد لا يكون مخلصاً في كثير من الأحيان، فهو يتنقل من علاقة إلى أخرى بمنتهى السهولة.
ومع ذلك، فإن الشخص السيكوباتي لا يرغب بسهولة في التخلي عن شريكته.
وقد تعرضت بعض الزوجات للملاحَقات المتتالية من شركائهم السيكوباتيين بعد الانفصال، فقد يصبح انتقامياً عند تهديده بالتخلي عنه رغم عدم إخلاصه أو خيانته!
هل تختلف الحالات وفق الثقافات؟
نعم، قد تختلف الشخصيات السيكوباتية وفقاً لبعض العوامل الثقافية، وذلك حسب دراسة أُجريت على نحو 7450 مجرماً جنائياً تظهر عليهم أعراض اضطراب الشخصية السيكوباتية، في هولندا والولايات المتحدة الأمريكية.
تشير الدراسة إلى أنه رغم الاتفاق بينهم في بعض السمات، فإن الشخصيات السيكوباتية قد تختلف بناءً على ثقافتهم.
خلال الدراسة تم اختبار بعض السمات التي يتصف بها هذا الاضطراب، مثل: القسوة، والأنانية، والسلوك المعادي للمجتمع، والتهور.
وجد الفريق أن التهور هو السلوك الأساسي للمجرمين المتمركزين في الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه، كانت السلوكيات السائدة لدى الجناة الهولنديين هي عدم المسؤولية ونمط الحياة الطفيلية.
النساء أيضاً يُصَبْن بالاضطراب
رغم انتشار هذا الاضطراب أكثر بين الرجال، فإنه يصيب النساء أيضاً.
تشير الأبحاث إلى أنه من المحتمل أن يكون عدد النساء المصابات بهذا الاضطراب أقل من الذكور، لكنها تشير أيضاً إلى أن النساء المصابات باضطراب الشخصية السيكوباتية من الممكن أن يكنَّ بخطورة نظرائهن الذكور نفسها.
تشير الأبحاث أيضاً إلى أن النساء المصابات به يُجِدن التلاعب والخداع والمكر، والتحكم والسيطرة على مَن حولهن.
كما أنهن لا يتحملن مسؤولية أفعالهن، ويفتقرن إلى التعاطف، ويرتكبن جرائم جنائية في سنٍّ أصغر من غيرهن من النساء الجنائيات اللاتي ليس لديهن هذا الاضطراب.
غالباً ما تكون جرائم الجنائيات السيكوبات مدفوعة بالرغبة في القوة أو الهيمنة أو المكسب الشخصي.
خطورة العلاقة مع شخص سيكوباتي
قد يكون الشخص السيكوباتي الذي يرتكب جريمة جنائية أقل خطراً من الشخص السيكوباتي الذي يجيد التخفي في المجتمع ويظهر كشخص طبيعي.
في هذه الحالة، يندمج في محيطه بطريقة لا تتم ملاحظتها.
يستطيع أن يقيم علاقات مع أشخاصٍ مِن حوله، حتى يكون قادراً على التأثير في الآخرين والتحكم فيهم والسيطرة عليهم.
تعود خطورته الشديدة إلى سببين:
الأول: عدم ظهور حالتهم بوضوح للمحيطين بهم.
الثاني: أن الناس في الأغلب لا يتوقعون من أصدقائهم أو أزواجهم أن يؤذوهم عمداً أو أن يكونوا أشراراً معهم.
سيقدم الشخص السيكوباتي نفسه باعتباره شريك حياة مثالياً من خلال ملاحظة احتياجات الضحية، وشعورها بعدم الأمان.
كما سيلاحظ عن قرب شديد، نقاط القوة وكذلك نقاط الضعف فيها، وهذا من أجل خلق شخصية تبدو مثالية للضحية، وإظهارها لها.
تحب الضحيةُ الشخصيةَ التي يُظهرها الشخص السيكوباتي وتثق بها؛ ومن ثم تبدأ السيطرة على عقلها.
يعرف السيكوباتيون كيفية الضغط على أزرار شركائهم، وكيفية خلق الخوف واستخدامه ضد الآخرين.
هم في كثير من الأحيان باردون وبلا قلب، ولا يشعرون بالشفقة أو الاهتمام بالضرر الذي يلحقونه بضحاياهم.
على الصعيد العاطفي، يمكن أن تكون الشخصية السيكوباتية ساحرة، وتبدو ذكية وتتحدث بسهولة عن مجموعة من الموضوعات، كما أنها تبدو ودودة ومتفهمة، تستطيع إدارة الانطباعات وتتمكن من خلق انطباعات أولى جيدة دوماً.
بمجرد أن يتم تثبيت العلاقة، وتشعر الشخصية السيكوباتية بأنها خلقت مستوى من السيطرة أو التبعية التي تريدها، فإنها تبدأ في أخذ ما تريد، وفعل ما تريد، والتصرف كما تريد.
يحرك شريكه مثل قطعة في لعبة يضع قواعدها شخصياً
ويمكن أن يتراوح ذلك بين الاستحواذ على أموال الشريك والتصرف فيها، وإهانته لمجرد إظهار التفوق، وإيذائه عاطفياً وعقلياً وبدنياً وجنسياً.
يكذب بسهولة بالغة، لمواصلة الخداع والتلاعب، ولا يشعر بأنه مخطئ على الإطلاق.
سوف يجادل ويبرر، أو يلوم الآخرين على الأشياء التي تسوء.
يستخدم هذا الشخص شريكه مثل قِطع يتم تحريكها في لعبة، وفي أثناء اللعبة يصنع هو القواعد.
وغالباً ما يكون شركاؤهم غير مدركين لهذه اللعبة، ويمارسون حياتهم مع السيكوبات بالقواعد الحياتية العادية، وهو ما يعني أن الشركاء يخسرون عادة.
قد تكون لدى السيكوباتي القدرة على إظهار ندمه وأسفه عندما يتم الاستغناء عنه، ويمكنه الاعتذار وتقديم الوعود بعدم حدوث ذلك مرةً أخرى أبداً، لكن كل شيء فُعل مُسبقاً يمكن تكراره من جديد.
هو على أي حال ليس لديه أي شعور بالمسؤولية أو الالتزام، وغالباً سيعود إلى تكرار السلوكيات نفسها من جديد.
التعليقات