قبل بضعة أشهر، وجدت نفسي عالقًا في مأزق لم أكن أتوقعه. كان كل شيء يبدو وكأنه ينهار تدريجيًا حولي: أداء عملي لم يعد كما كان، شعرت أنني أفقد السيطرة على الأشياء التي كنت أبرع فيها دائمًا، والعلاقة بيني وبين مديري أصبحت متوترة. بدا لي وكأنني أُسحب إلى دوامة لا أستطيع الخروج منها.
الأمر لم يكن بسبب نقص المهارات أو الكفاءة؛ كنت دائمًا أتحمل مسؤوليات كبيرة وأُنجزها بنجاح. لكن هذه المرة كان هناك شيء مختلف. ضغوط شخصية ونفسية بدأت بالتراكم ببطء، ومع ذلك، كنت أرفض أن أُظهر أي ضعف أو أطلب المساعدة. ظننت أنني إذا دفعت نفسي بقوة، سأتمكن من تجاوز الأمر. لكن الحقيقة كانت أقسى مما توقعت.
لحظة الانهيار
مع مرور الوقت، بدأ الوضع يتدهور أكثر. المشاريع تراكمت، المواعيد النهائية أصبحت مصدر قلق دائم، وحتى الثقة التي كنت أستمدها من إنجازاتي السابقة أصبحت تتلاشى. حاولت بكل طاقتي أن أظهر بمظهر القوي الذي لا يهزم، لكن داخلي كنت أعلم أنني أعيش على حافة الانهيار.
ثم جاء يوم الاجتماع مع مديري. كنت أعلم أن الوضع لم يعد يحتمل التأجيل. كنت أتهيأ للأسوأ، وربما حتى لتلقي توبيخ قاسٍ. لكن بدلاً من ذلك، فوجئت برد فعله. لم يكن غاضبًا كما توقعت، بل بدا متفهمًا بطريقة لم أكن مستعدًا لها. اقترح أن أخذ إجازة طويلة للعلاج والتعافي، وقال لي بوضوح: “خذ الوقت الذي تحتاجه، وسنكون هنا عندما تعود.”
التحدي الحقيقي
رغم اقتراحه الإيجابي، رفضت. شعرت أن قبول الإجازة سيُظهرني كضعيف أو كمن يتخلى عن مسؤولياته. قررت أن أواصل العمل وأضغط على نفسي أكثر، معتقدًا أنني بهذا سأثبت أنني قوي. لكن للأسف، ما حدث كان العكس تمامًا. أدائي استمر في التراجع، وشعرت أنني أبتعد أكثر عن ما كنت عليه سابقًا.
ثم جاء الاجتماع الفردي مع مديري. في لقاء خاص بيني وبينه، واجهني بتقييمه السلبي لأدائي. أخبرني بشكل مباشر أنني أُعتبر أحد نقاط الضعف في الفريق، وأن أدائي كان دون المستوى المطلوب. كلماته كانت قاسية، وأثارت غضبي. شعرت أنه لا يتفهم موقفي أو ظروفي ولا يراعي ما كنت أمر به. بدا وكأنه لا يرى سوى النتائج التي لم أحققها.
خرجت من الاجتماع وأنا غاضب بشدة. قررت أنني لا أريد الاستمرار في العمل معه، واعتقدت أنه كذلك لا يرغب في ذلك. لجأت إلى بعض المقربين للحديث عن الموقف، وأخبروني أن الحل يكمن في التحدث معه مجددًا. لكنني رفضت الفكرة تمامًا. لم أكن مستعدًا للتحدث إليه أو لمحاولة تصحيح العلاقة.
التصالح مع الواقع
بعد أيام من التفكير والغضب، بدأت أستوعب الأمور بواقعية أكثر. مديرك ليس إنسانًا خارقًا. هو بشر مثلنا، لديه عيوب ونقاط ضعف. نعم، قد لا يكون متمرسًا جدًا في الإدارة، لكنه يسعى لتحقيق النتائج. في النهاية، بدا واضحًا أنه يرى في الفريق وسيلة لتحقيق الإنجاز، وأنه يحتاج إلى أشخاص يمكنه الاعتماد عليهم.
قررت أخيرًا أن أتحدث إليه، ليس من باب المصالحة الشخصية فقط، بل لأنني أدركت أن الهروب لن يكون الحل. في الحديث الذي جرى بيننا، كان رد فعله مفاجئًا. أبدى تفهمًا أكثر مما توقعت، وأظهر استعدادًا للعمل معي على تجاوز هذه المرحلة. تلك اللحظة كانت نقطة تحول.
دروس التجربة
ما تعلمته من هذه التجربة هو أن العمل ليس مجرد مكان لإنجاز المهام، بل مساحة للنمو والتعلم. أحيانًا تكون التحديات الأكبر هي التي تكشف لنا عن قدراتنا الحقيقية. العلاقات في بيئة العمل قد تكون معقدة، لكنها ليست مستحيلة. الشفافية، الصبر، والدبلوماسية يمكن أن تحول حتى أصعب المواقف إلى فرص.
وفي نهاية المطاف، كانت هذه التجربة درسًا عميقًا: القوة ليست في تجاهل المشكلات، بل في مواجهتها والعمل على حلها. لا تخف من طلب المساعدة أو الاعتراف بالخطأ.
أما شعاري بعد هذه التجربة فهو
“لا أسعى للكمال، بل لإثبات أن العثرات هي خطوات نحو خلق شيء لا يُقلَّد.”
هذه العبارة تلخص رحلتي. العثرات ليست النهاية، بل هي بداية لشيء أكبر وأعمق.
التعليقات