عندما التحقت بالدراسات العليا بكلية الهندسة، طلب مني أستاذي أن أقوم بكتابة بحث مصغر أشرح فيه الفكرة التي أريد أن أعمل عليها، موضحا بعض الأمثلة العملية من أرض الواقع، والإضافة التي أسعى للوصول إليها نتيجة لهذا البحث.

أعطاني ما يقرب من شهرين لأنتهي من طلبه، وبالفعل انطلقت أقرأ من هنا وهناك، أسأل من أعرف ومن لا أعرف عن الموضوع الذي أبحث فيه، وأبحث عبر المراجع المختلفة عبر الإنترنت لأصل لضالتي، وصدقا بذلت كل ما أستطيع لإنتاج بحث مثمر يكون دافعا له لقبولي معه في الدراسات العليا.

كتبت البحث فيما يقرب من خمسين صفحة، وفعلا لا يمكنني وصف صدمتي حين اطلع على البحث، لقد رفض حتى أن يكمل قراءته!!

"اِذهب وأعد صياغة ما كتبته بما يوافق مناهج البحث العلمي، وبعدها سأطلع عليه، يمكنك الإستعانة برسائل زملائك بمكتبة الكلية".

كان هذا رده الوحيد ثم تركني وانصرف عني.

بصراحة لقد تحدث معي بعد أسبوع تقريبا، وبدأنا رحلتنا معا في أجواء مختلفة عن تلك الحادثة، ولكنه أخبرني أنه لم يكن يتوقع مني أن أقدم له بحثا مماثلا لما كنت أفعل قبل ذلك أثناء دراستي بالكلية، وأن البحث في الدراسات العليا لا يمكن أن يتم بتلك الطريقة التي يُسمح بها في المراحل التعليمية الأخرى.

ففي الدراسات العليا لابد من منهج معين، وترتيب محدد لعناصر البحث، لابد من توثيق لكل ما تذكر، لابد من كذا وكذا وكذا ....

الذي أثار حفيظتي وحيرتي حتى الآن، هو لماذا لا يتم تعليمنا هذا منذ الصغر؟!

عندما درست مادة مناهج البحث العلمي في الدراسات العليا، اكتشفت أن الأمر ممتع حقا، ويستحق الجهد المبذول في البحث، النتائج التي تحققها من بحثك، وقدرة الآخرين على قراءته سريعا واستنتاج محور الحديث أسهل بكثير من الأبحاث التي لا تتبع ذلك المنهج.

في الحقيقة اكتشفت أن المنهج نفسه يصلح لأن يكون منهج حياتي، فلماذا لا نستفيد منه؟!

في رأيكم؛ أليس من الضروري أن نتعلم تلك المهارة في مراحل متقدمة من تعليمنا، أليست طرق ومناهج البحث أحد أهم المهارات في هذا العصر؟!

كيف يمكن أن نطور تلك المهارة لدينا بشكل عام من وجهة نظركم؟