البحث العلمي رحلة طويلة من يختار البدء فيها عليه أن يتحمل أعباء وتكاليف والتزامات كثيرة، ولكن ما يشجع على هذه الرحلة هو النتيجة التي يرجوها طالب العلم في النهاية، وبالطبع أهمية البحث العلمي بالنسبة للدول غنية عن التعريف، فهو أساس كل تقدم وكل اكتشاف جعل من حياتنا أفضل، ولكن في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة في أغلب بلادنا حاليًا وعدم توافر فرص حقيقية تضمن أن يتم تطبيق الأفكار أو النتائج التي قد يصل لها طلاب البحث العلمي أرى دعوات لعدم دخول هذا المجال والبحث عن مسارات أخرى توفر دخل ووضع مستقر وأمن للخريجين، لأن المجال لا يضمن لهم فرص كبيرة للتطور أو النمو بل سيعيطهم درجات علمية وألقاب لا استفادة عملية منها على أرض الواقع، إلا لو كان بإمكانهم السفر للخارج، فما رأيكم؟ كيف ترون مستقبل البحث العلمي في الوقت الحالي؟
ما هو مستقبل البحث العلمي في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية؟
لكن رغم الأوضاع الاقتصادية، هناك نماذج لدول وظفت البحث العلمي لتحسين اقتصادها مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة، فهل المشكلة في الأوضاع الاقتصادية بحد ذاتها، أم في عدم وجود رؤية تجعل البحث العلمي جزءًا من الحل الاقتصادي وليس ضحيته؟!!
أم في عدم وجود رؤية تجعل البحث العلمي جزءًا من الحل الاقتصادي وليس ضحيته؟!!
المشكلة أن البحث العلمي يفترض أن يجرى في بيئة موضوعية ومستقلة تماما، وألا يحمل أي أيديولوجيات أو توجهات ذاتية..
لكن مع خضوع البحث العلمي لسطوة الظروف الإقتصادية، أصبح من الشائع جدا أن يتم تحريك وتوجيه خطوات البحث وأدواته، حتى يصل لنتيجة تدعم إتجاه وغاية الممولين وليس الباحث أو العلم!
حتى يصل لنتيجة تدعم إتجاه وغاية الممولين وليس الباحث أو العلم!
نتمنى لو هذا يحدث حتى في بلادنا فعلى الأقل هناك اهتمام وهناك ممولين وهناك مشاريع بحثية تحقق نتائج وتأتي بعوائد يمكن للباحث فيما بعد استغلالها لكي يبدأ العمل على الاتجاه أو المسار الذي يرغب فيه، ولكن المشكلة الأساسية أنه لا يوجد داعي كافي أو مستدام يضمن للجميع فرص متساوية من أجل إخراج أفكارهم للنور وإعطائهم حق التعلم والتجربة.
رغم تقديري البالغ لأهمية البحث العلمي وأثره على حياتنا، إلا أنني لا أشجع البحث العلمي بشكل مطلق؛ فأخلاقيات البحث العلمي لا تقل أهمية عن البحث نفسه بالنسبة لي..
فمثلا من أنتجوا المشروع النووي الأمريكي، كانوا علماء منقطعون للبحث العلمي دون سواه، لكن قامت قوى خارجية بتوجيه جهودهم البحثية نحو تأسيس ذلك المشروع الذي يخدم غاية إجرامية، وغير إنسانية على الاطلاق برأيي.
أظن المشكلة من الأساس ليس في الاقتصاد بل في القيمة التي نمنحها للباحث، نحن بمصر نعرف مثلاً أحمد سعد المغني وعمرو سعد الممثل لكن سامح سعد الدكتور والباحث القدير لا أحد يعرفه يعيش بمستوى أقل بماديات أقل ولولا إخوته لمل ذاق قدر من حلاوة الحياة القيمة والتقدير يشكل كلاهما فارق كبير
حسب ما أعرفه فهو من اختار ذلك! عرضت عليه فرص كثيرة للسفر والتعلم كان بإمكانه استغلالها ومن ثم إذا أراد كان من الممكن أن يعود ويفيد بلده منها مثل أحمد زويل وغيره الكثيرين، ولكن هو من رفض. هو يفضل الزهد والعمل في صمت وهذا ليس عيب بل فكر يستحق تقدير وإعجاب ولكن لا نلقي باللوم على المجتمع ونتهمه بإهمال العلماء، فعلى العكس الناس أكبر داعم معنوي للعلماء ولمن يحققوا إنجازات لبلدهم.
معضلة تأخر البحث العلمي غير معتمدة بشكل تام علي تدهور الأحوال الاقتصادية بل هي بسبب عدم إعطاؤه الاهتمام الكافي و تشجيع أصحاب البحث العلمي و إنجازاتهم.
فالبحث العلمي هو أساس التقدم الاقتصادي و بالفعل فالدول المتقدمة اقتصاديا تقدمت بثورة في البحث العلمي ككوريا الجنوبية و سنغافورة مثلا فقد كانوا بلاد نامية و بالبحث العلمي تقدمت فهل منعهم فقرهم الاقتصادي علي التقدم بالبحث العلمي ؟ بالطبع لا
يراودني في ذلك دائما سؤال ....هل هناك فرصة للالتحاق بهذه الدول المتقدمة في البحث العلمي ام أن الفارق بيننا و بين ما وصلوا إليه أصبح أكبر من أن نلتحق به؟ هل هناك امل ؟
فهل منعهم فقرهم الاقتصادي علي التقدم بالبحث العلمي ؟ بالطبع لا
الفكرة هنا ليس فيما تختاره الدول ولكن فيما يختاره الشباب، الشاب الذي يتخرج ويرغب في إكمال مسيرته في البحث العلمي وهو غير مدعوم في ذلك وليس هناك مسار يتبناه أو يضمن له مستقبل جيد من حيث العائد المادي والارتقاء الوظيفي لماذا سيختار المجال في ظل التحديات الاقتصادية الصعبة التي تفرض عليه التفكير في المال أولا؟ بالتأكيد إذا كان هناك توجه من الدولة للاهتمام بالبحث العلمي وهذا الاهتمام مدعم بشكل عملي على أرض الواقع فلن تكون مشكلة من حيث القوة البشرية لأن لدينا طاقة شبابية جبارة تتمنى فرصة في هذا المجال.
كوني متأكدة أن البحث العلمي لن يختفي، لكن طريقة التعامل معه تحتاج إلى تغيير. لا يمكن الاعتماد على الأنظمة التقليدية التي تمنح الباحث لقبًا فقط دون أن توفر له بيئة لتطبيق أفكاره. من الأفضل تشجيع البحث الموجه لحل المشكلات الفعلية وربطه بالاقتصاد، بدلًا من الترويج لفكرة أن البحث العلمي مجرد طريق مسدود.
لاحظت أن الباحثين الذين يربطون أبحاثهم باحتياجات السوق لديهم فرص أفضل. بعض الزملاء الذين ركزوا على أبحاث الذكاء الاصطناعي أو الطاقة المتجددة وجدوا فرصًا للعمل مع شركات ناشئة أو حتى في الخارج. بينما الذين انخرطوا في أبحاث نظرية بحتة دون استراتيجية وجدوا أنفسهم محصورين في ألقاب أكاديمية دون فائدة عملية.
نلاحظ مثلا حتى الدول التي تعاني اقتصاديًا تحتاج للبحث العلمي لحل مشكلاتها، مثل تطوير مصادر طاقة أرخص، تحسين الإنتاج الزراعي، أو حتى معالجة الأزمات البيئية والصحية. لو اعتمدت الدول النامية على استيراد المعرفة فقط، فلن تتقدم أبدًا، بل ستظل معتمدة على الآخرين.
أغلب من ينجح في هذا المجال أو يريد النجاح لا يحققه سوى في الخارج، الفكرة ليس في الحصول على فرصة عمل وحسب بل بإمكانية تطبيقه لأفكاره على أرض الواقع، فهل البيئة على أرض الواقع مهيأة له ذلك؟ للأسف لا، لا القوانين ولا توجهات الدولة ولا البنية التحتية ولا الوعي الكافي ولا أي متطلب من متطلبات النجاح وتطبيق الأفكار مدعوم أو موجود بشكل كافي، ولهذا يقولون إذا اخترت هذا المجال فلتجتهد حتى تحصل على منحة وتسافر لتحقق أحلامك وتفيد بلد آخر بأفكارك، هذا حل للساعين لهذا المجال لكي يحصلوا على نتيجة جراء تعبهم، ولكن بلدهم ومجتمعهم لا يستفيد منه شيئا.
المشكلة ليست في البحث العلمي، بل في العقلية التي لا تعطيه قيمته. بدلًا من أن نبتعد عنه، لماذا لا نطالب بسياسات تدعمه أو نبحث عن بدائل تمويل مثل الشراكات مع القطاع الخاص؟ إذا لم يكن للباحث مستقبل هنا، أليس هذا دليلًا على أن المشكلة ليست في المجال بل في البيئة التي تحبطه؟
المشكلة لم تكن يوما في المجال نفسه ولكن المنتمين أو الساعين في هذا المجال الآن يريدون حلول وليس البحث عن من نلقي اللوم عليه هنا، الأوضاع الحالية لا تدعم الاستمرار في المجال، فهل هناك فرصة حقيقية أو واقعية للتغيير؟ أو هناك بعض الفرص المساعدة التي يغفلون عنها وقد يسعون للإكمال فيه من أجلها؟ إذا كانت الإجابة بنعم فالأكيد أن الأغلبية لن تستسلم ولن تنحيه من الخيارات ولكن إذا كانت الإجابة بلا فماذا هم بفاعلين!
في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وعدم توافر الفرص الكافية لتطبيق النتائج والأفكار العلمية على أرض الواقع، يتبادر إلى الذهن العديد من التساؤلات حول جدوى الانخراط في هذا المجال.
من جهة، يوفر البحث العلمي فرصة فريدة للتعمق في فهم العالم من حولنا وإيجاد حلول للمشكلات المعقدة التي تواجهنا. والدرجات العلمية العالية تُعزز من قيمة الأفراد وتمكنهم من الحصول على وظائف مرموقة، خصوصًا إذا كانت لديهم الفرصة للسفر والعمل في الخارج.
من جهة أخرى، عدم توافر الفرص التطبيقية والنمو في العديد من الدول يجعل البعض يبحث عن مسارات مهنية توفر دخلًا مستقرًا وفرصًا أكبر للتطور المهني.
في النهاية، قرار دخول مجال البحث العلمي يعتمد على شغف الفرد واهتمامه واستعداده لتحمل التحديات. قد يكون الخيار الأفضل هو متابعة البحث العلمي مع استكشاف فرص العمل والتطوير في الخارج أو محاولة إيجاد حلول للتحديات الاقتصادية محليًا من خلال الابتكار والتعاون مع القطاع الخاص والحكومات.
التعليقات