التعليم حاليًا: استثمار للمستقبل ولا مجرد شهادة على الحيط؟

أظن أن المشكلة في الواقع ليست في قيمة العلم وأهميته وموضوع الأجور وما إلى ذلك؛ بقدر ما هي في الواقع الذي يشاهدونه من بطالة حاملي الشهادات وعدم وجود مستقبل من الأساس في الدراسة الجامعية والمسارات الكلاسيكية، وليس بسبب وجود مستقبل سيء.

فمهما بلغ عدد التافهين الذين يضحون بشرفهم وسمعتهم من أجل قروش التيكتوك... فهو لن يشكل 5% من المجتمع، وسيصل الشخص إلى السن الذي يدرك فيه أن عليه أن يعيش الواقع وعادي يعني سينضج.

لكن الفكرة القاتلة هي أن الشهادات صارت فعلا شهادة على الحيط والدكتور يعمل في مقهى وفي مطعم وحتى "مونيفري" مع البناء. (مونيفري = مساعد بناء في الجزائر)

ببساطة لا يمكن التحدث معهم بمنطقية والعالم حولهم يسير بطريقة ظالمة (غير منطقية) زي إن رواتب الأطباء في مصر بالكاد بتوصل 6000-9000 جنيه شهرياً، وده مش كفاية لأسبوع أو أسبوعين بأفضل الأحوال، خاصة مع طبيب الامتياز اللي بياخد 2800 جنيه بس، وكمان المهندسين اللي متوسط رواتبهم حوالي 10,000-12,000 جنيه حتى في شركات كبيرة، بينما صناع المحتوى على تيك توك أو يوتيوب ممكن يحققوا ملايين من إعلانات ومشاهدات – زي إن ألف مشاهدة على يوتيوب بتدي من نص دولار لـ7 دولارات، وده لو مشاهير زي اللي بيغسلوا أموال وبتضبطهم الحملات الأمنية دلوقتي. بس الذكاء هنا في المنطق مش في إنكار الفرق ده، بل في رسم اللوحة الكبيرة: العلم مش طريق سريع للثراء زي التريندات التافهة اللي بتموت بسرعة، ده استثمار طويل الأمد زي شجرة بتكبر جذورها تحت الأرض قبل ما تطلع فواكه، حيث إن الدراسات بتقول إن كل سنة إضافية في التعليم بتزود الدخل بنسبة 9% عالمياً، وبتبني استقرار مهني يحميك من تقلبات السوشال ميديا اللي ممكن تنهار في يوم واحد بسبب خوارزمية أو فضيحة، وكمان بيفتح أبواب للجمع بين الاثنين – تخيل طبيب أو مهندس بيعمل محتوى علمي مدعوم بمعرفة حقيقية، ده مش بس هيحقق دخل محترم في النص التاني من الثلاثينيات زي ما قلت، بل هيبني حياة كريمة مبنية على احترام ذاتي وتأثير مجتمعي، مش مجرد لايكات مؤقتة.

بكل بساطة: ألا نربطه بالمال، من قال أننا نتعلم لنحصل على المال في النهاية؟ لو كانت تلك الغاية فالصنعَة التي يتعلمها الفتى وهو في العاشرة من عمري ويصبح فيها معلم عندما يكبر أفضل بملايين المرات من الاستمرار في التعليم.

الإشكالية كلها في هذا الربط الخاطيء بين العلم والمال، إننا نتعلم لنصبح ذو شأن، لتعلو قيمتنا ونفهم الحياة وتتوسع عقولنا، ولنحصل على احترام الناس أيضا لأننا نملك علما لا يمتلكه الكثير من الناس، هذا ما ستحصل عليه حينما تتعلم، لن تحصل على المال، للمال طرق عديدة تصل إلى آلاف الأساليب - إحداها التفاهة والسرقة وغسيل الأموال - والطرق أمامك اسلك ما تشاء.

كيف نتحدث بمنطقية عن أهمية العلم في تحقيق دخل محترم وحياة كريمة، علمًا بكل ما ذكرته؟

بأن نكون صريحين معهم بأن العلم ≠ المال.

وأن المال ليس إلا جانبا من الجوانب التي يوفرها العلم، ونعطيه مثالا، كيف تنظر لشخص لا يجيد استخدام الهاتف؟ سيقول.. والله تعلم استخدام الهاتف مهم وضرورة حتى لو كان هذا التعلم لا يجلب لي مالا بالضرورة لكن يجب ان اتعلم، ربما حتى سيرى شخصا لا يجيد اسنخدامه هو شخص مثير السخرية، أخبريه أن الهاتف هذا هو عقله، وكلما زاد علمه زاد وعيه بما حوله، وزاد حسن استخدامه له، وزادت فرصه في النجاح، القبول، وحتى معرفة الحق ومعرفة أفضل واذكى الطرق للعيش السليم، وطبعا معرفة التفريق بين التافه المثير للسخرية والبارع، والهاتف هذا (الذي هو عقله) تطبيقاته هي (مختلف العلوم التي يدرسها) وهو حر هل يترك هاتفه فارغا، أو يملأه بماشاء من العلوم، وهل يتعلم استخدامه بالشكل للامثل (ولا شيء يعلمك استخدام عقلك اكثر من العلم) او يتركه للصدأ ويقبل بأن يعيش نفس حياة الشخص الذي رفضه او ربما سخر من اسلوب عيشه في البداية..

أتفهم تمامًا ما ذكرتِه والواقع الحالي يجعل فكرة "العلم طريق لحياة كريمة" أصعب في الإقناع بها خاصة مع ضعف الرواتب في مجالات كانت تعتبر قمة المهنة لكن أعتقد أن المشكلة ليست في العلم نفسه بل في سوق العمل وطريقة استثمارنا للعلم

العلم لا يقتصر على الشهادة الجامعية بل على المهارات العملية التي يمكن تطويرها واستثمارها بطرق متعددة حتى في مجالات مثل الطب أو الهندسة هناك من دمج تخصصه مع ريادة الأعمال أو التقنية أو الإعلام ليحقق دخلًا كبيرًا

أما بخصوص صناع المحتوى صحيح أن النجاح السريع قد يبدو مغريًا لكنه غالبًا لا يكون مستقرًا بينما العلم والمعرفة يمكن أن يُبنيا مسارًا طويل الأمد حتى لو احتاج وقتًا أطول

ربما الحل ليس في إقناع الجيل الجديد بأن العلم يساوي المال فورًا بل بأن العلم يساوي قدرة على خلق فرص والمال واحد من نتائجها إذا أُحسن استثمارها

بالنسبة للمهندس، تتضائل قيمته لأن المشاريع الجبّارة صارت تعتمد على المنظومة أكثر من كون مهندس واحد سوف يتابع العمل، مثلا، أنا عملت كعامل في حسن علام، المقاولين العرب، أوراسكوم، كونكورد، ومثل هذا النوع من الشركات الكبرى تحرص جدا على سلامة العمّال في المقام الأول، وكانت الرواتب مناسبة إلى حد كبير، المشكلة أنهم يحرصون على السلامة لدرجة أنه لا يوجد عمل تقريبا، حرفيا كنت أذهب لأنام ثم أعود إلى المنزل. مع ذلك، هناك عمّال آخرين، أعلى راتبا، يحملون العمل الصعب، بينما الأشغال البسيطة تترك لصغار العمال والصنايعية. من عجب، أنهم مع ذلك، ينجزون الأعمال، لأنهم يعتمدون على كثرة الآلات، والعاملين، وحتى على تدخل حاسوبي لو أمكن.

هذا يحدث مع المحامي والمحاسب.

أما بالنسبة للطبيب، لا .. الطبيب يربح دائما لأن الناس لا تكف عن المرض، لم أرى لليوم طبيبا برواتب قليلة، لأنه لا يعتمد على راتب بسيط من مشفى أو مستشفى، تكفيه عيادته الخاصة، أعرف طبيبا في منطقتنا، حول الصيدلية إلى مشفى مجاني وترى دائما زحام هناك، اكشف واصرف الدواء، ويحاسب على صرف الدواء فقط، ولو عندك دواء راكد أو قديم يعيد تدويره بأن يوصيك باستعماله (بعد فحص تاريخ الصلاحية)، دون أن يكلفك جنيه واحد. مع ذلك هو لا يزال يتربح.

للوصول للحرية المالية والثراء الكبير. الطريق ليس "صانع محتوى مشهور" بل "خبير في مجال محدد يفتح افاق جديدة للناس ويقدم خدمات مميزة ويصنع شركته الخاصة" والخبير شخص متعلم لديه خبرة وفي نفس الوقت ينشر محتواه المتعمق في الخبرة كتسويق شخصي

عن نفسي ليس معي أي شهادت

فعلا التعليماستثمار للمستقبل ولا مجرد شهادة على الحيط؟