صدّقْ

قد يستغرقُ الأمرُ عُمرًا بأكملهِ حتى يعرفُ الإنسان نفسهُ

وقد يستغرقُ الأمر رسالةٍ كونيةٍ تأتيهِ بغتةً،صدفةً،بلا تهيأة

وقد يستغرقُ الأمرُ أربعةَ الآف جرحًا مُرصعًا بمحبةٍ كاذبةٍ

أو ركلاتٍ من سنينٍ متعاقبةٍ

وقد يعرفُ الإنسانُ مكنونَهُ بدونِ عناء الوقت ولا وشومِ الدنيا.

قد يعرفها وهو في طريقهِ لعملهِ قد يصطدمُ بنفسهِ وهو ينهِجُ بكلالةٍ ليلحقَ ورقة التوقيع.

وهو يناولُ عامل النظافة في الصَّباحِ ويعينُه.

وهو يمسكُ على أوتارهِ كي لا تخرقُها نوبة هلع من الإمتحانِ الذي أوشك على أن يبدأَ

وهو يبكي إثر وفاة إنسان غريب في بلادٍ بعيدة.

وهو يردمُ آخر ذرةٍ من الترابِ على ذكرى لفظت آخر أنفاسها في قلبهِ.

وهو يلزمُ ضميرَه ويأوي سرَّ غيرَه ويصونُ مُروءتهِ في عهودهِ.

وهو يجيبُ على هِتافِ العالم بصمتهِ في الردِّ والصدِّ والبعدِّ.

لكن في حقيقةِ الأمر إنَّ ما يعذّبُ ضمير الإنسان أنه كلما ظنَّ أنه يعرف نفسه حقًّا قامت الحياة بوضعه في قالبٍ ضيقٍ لا يناسب حجّمهِ ولا يلائمُ رسّمهُ وله شكاياتٌ فيهِ تنتظرُ حسّمهُ

يحاولُ أن يتماهى معهُ مرات عديدة وعديدة

ويعودُ يشتكي بكل مرة بدلًا من الخروجِ منهُ 

 فيفقدُ الإنسان قدرته على التواصل مع ذاتهِ كلما أجبرها على أن تتكيّفَ رُغمًا عنها بأماكنٍ لا تليقُ بها

ولا يستروحُ قلبه فيها 

لكنه لو اختارَ الخروج لرأى الأنوار الفسيحة تستقبلهُ بمدّ ذراعيها وترشدُه لنفسهِ يعيشُ بها ويرتوي منها بلا معوزةٍ لخرائطٍ و مجاديفٍ

فقط بذاتهِ يستطيعُ أن يجوب العالم فهو في حصن نفسه ومن يستدللُ بنفسهِ فقد استدللَ القويّ الحريزَ.