يُخلَق الإنسان من طين و ذكريات.. و ليس ثمة شيء أبهى من قدرته العظيمة على التخطّي.. أنت لا تعلم معنى أن يقف الإنسان أمام حياته ليجدها استحالت حطاما.. أن يطحَنه الخذلان و تتآمر عليه الأيام و يشعر أنه خسر كل شيء و يتمكّن بعد كل هذا من النظر في عين العاصفة و النهوض من جديد.. ينهض كأن الشكّ لم ينهش أحشاءه.. و يبتسم كأن أحلامه لم تدهس مرارا.. و يعيد كتابة قصته ليكون بطلها.. و يرمم نفسه ليصنع شيئا مدهشا
ما بين السُّم و الترياق
ما إن تشرع الكلمة في الهُروب من قفص صَدري احتجزها، وتبدأ مصادقة الشفاه على الكلام العابر من خلالها، فترسم كلمات تُجيد سرقة الحزن من جيوب المنهكين، وما إن تبدأ معانقة حِبر الكاتب للورق المُغتر ببياضه، فتُحكم نصا ساحرا لعيونِ بهت بريقها، وقلوبِ ما عادت تُبالي، فتتشكل المُفردات وتصطف خَلف بعضها بعضا، فتغدو سِلاحاً في جيوب الأرواح التواقة للجهاد في سَبيل نفسها، فتتخذ لها موقعاً في مُقدمة الحَرب النفسية بَين الأرواح البشرية، ومكاناً في طليعة جيوش الحرف الثائرة. فتارة يغدو الحرفُ
معجزة التجدد البشرية
نقسم أن لا نقع في الحب بعد الخيبة الأولى ثم نهوي مستسلمين راضين بمجرد ما أن يداعب نسيم حب جديد ستائر قلوبنا. تصرخ الحامل أثناء الوضع أنها لن تكرر فعلتها ولن تسمح لجنين آخر باحتلال أحشائها مرة ثانية، ثم تعيد الكرة مرة واثنتين تصرخ خلالهما بنفس الوعد والوعيد. نفقد أبا أو أما، فيتحول الكون أمامنا لحفرة مظلمة لا يزورها الهواء، يصبح الاختناق رفيقنا الدائم، ونظن أن كل شيء بلغ منتهاه، الفرح والضحك والغناء. وينقضي عصر الحزن والنحيب لنعلن أخبار النجاحات
عن جمال الصَّبابة و سخطها
مستاءة وغاضبة، كل شيء يعجبني، رغم ذلك أرغب في الصراخ، رغبة أنثى صادقة لا نزوة طفلة مدللة. الوضع لا يسمح لي بذلك، المكان والناس والزمان لا يسمحون لنا بصراخ مفاجئ لا سببا وجيها ومنطقيا له. قد يتفهمون صرخة مدوية بسبب رؤية فأر مذعور يجري، لكنهم لن يستوعبوا أبدا صرخة يائسة تنبعث مستعجلة لفداحة الحسرة. لا شك أن كتمان صرخة تكاد تمزق الأحشاء هو أمر غير لطيف البتة، يماثل اختناق بارود في بندقية راع بقر كوبي غاضب، يضغط الزناد، فينفجر البارود
الشفق البشري
لكل قصة مهما كانت روعتها جانب مظلم، ولكل يوم جميل غروب أكيد وهناك دائما نهاية لكل بداية. وبالطبع نحن كتلك القصص مهما أشرقنا لا بد أن نظلم أحيانا، فلا معنى لشروقنا دون مغيب، ولا شك أن ألطف ما فينا هو اختلاط ألواننا الساطعة والمظلمة في انسجام فريد، كذلك الذي ينقش السماء كل يوم عند مغيب شمسها، فنرى خطوطا وردية وحمراء وأرجوانية وبرتقالية تتراقص كفتيات حالمات لا يهمهن شيء سوى تدفق أجسادهن داخل نهر الموسيقى الشهي. إن ما يجعل الأشخاص الذين
المَناص المُبَجّل !
هل يكفي الهرب لتجاوز المستنقعات الآسنة التي تجبرنا الحياة على خوضها!؟ وهل يمكننا الهرب أصلا أم أن الحياة هي نفسها عبارة عن مستنقع كبير يلتهم كل عابر فوقه سواء أجاد السباحة أم لم يفعل!؟ ثم إلى أين سيمكننا الهرب!؟ الرغبة في الهرب التي تعترينا أمام كل وضع سيئ، أو غير سيئ أحيانا تكاد تدفعنا دفعا نحو التخلي عن كل شيء، المنصب والسلطة والحب والمجد والمال. رغبة غريبة نتشاركها جميعا، عند تفاقم المسؤوليات وجموح الطموح وهيجان الروح والالتصاق بالآخرين. يكون الحلال
مُخاللة محظورة
كل القرارات التي سبقتني والتي لحقتني أوصلتني إلى هنا. قرار والدي في أن يترك لجناحيّ حقهما في التحليق ولقلبي في أن يأخذني حيث هام، بدل أن يمارس علي السلطة التي مارسها جارنا على ابنته مقررا بتر الجناحين ونحر البراءة، جعلني في مكاني هنا فيما بنت جارنا في سجنها هناك. ماذا لو عُكس الأمر؟ هل نمتلك حقا من حياتنا شيئا أم أنها مجرد توالي اختيارات وقرارات لا تبالي بنا ولا لنا؟ تأخذني أفكار مستحدثة إلى عوالم من الإدراك لم أعتقد يوما
بين الثانية ونصفها !
هناك دائما ثانية واحدة تفرق بيننا وبين التحول العظيم الذي قد يطرأ على حياتنا، هي تلك الثانية التي تسبق السقوط الحر في الحبل نتحول من كائنات يتملكها الخوف والذعر والملل، لأطياف هانئة نسجت من الأمن والفرح. هي الثانية التي تفصل امرأة أقدمت على جريمة شنعاء في حالة خدر ذهني تام أمام مشهد خيانة زوج منحته الروح قبل الجسد، لتتحول من سيدة محترمة تحمل معها طموحات ومشاريع كبرى لمجرمة تقضي أبهى سنواتها خلف القضبان. هي الثانية التي تسبق القرار العظيم بالهجرة،
وكان الإِنسان أكثر شيء جدلا
تكونت شخصياتنا ونحن نسمع عن حفظ الكرامة وعزة النفس وقيمة النفس. ولكنّها مصطلحات تظلّ متشابكة المعنى ونسبية المفهوم ومبهمة الغرض. من البديهي أننا كمخلوقات مكرّمة ومفضّلة، نحرص دائما على الحفاظ على أنفسنا والارتقاء بها لأن كل نفس غالية عند صاحبها. ولكن كيف يكون الحفاظ على النفس؟ أهناك معايير وقوانين وخطوط عريضة يجب أن نتبعها؟ من حدّد هذه المعايير والقوانين؟ وبناءً على ماذا نجعلها تحكمنا وتوجه تصرفاتنا وتقرر مصيرنا؟ تساءل! إنّنا نعيش في حيز ضيق ومزحوم، مرسوم بالمسطرة والقلم، وخلط فادح
مداهنة الاباء
الناس مرهِقون منهِكون، الآخرون لعنتنا التي لا نقوى على هجرها. فمهما بلغت حدود التطرف في عشق العزلة وتقديس الوحدة يكون واجبك الأساسي كل يوم مخالطة أشباهك. رؤية وجوه تشبه وجهك وأصوات تذكرك بأن في حنجرتك صوتا يرغب هو أيضا في الثرثرة. تغرق في الجموع شئت أم أبيت، وتنجرف مع أخبار لا تعنيك وأسرار لا تعرف أصحابها وقصص قضى أبطالها نحبهم حتى قبل أن تستقر في بويضة أمك. محكوم عليك بصلة الأرحام، أرحام قد تكون سببا في شقائك وهزيمتك وأثقال تضنيك.
حليلة الظل
ها أنا ذي لا أملك سوى القلم وهذا القلب المتعبين الخائرين. امرأة بلغت الأربعين عدا والتسعين روحا، وفي جعبتها الكثير لتخبرك به، لتلومك عليه، ولتحاكمك. لكنها فضلت الصمت، ليس حبا في الصمت واستجلابا لحكمته، ولا لأنها لا تشبه بنات جنسها فتصمت بدل الثرثرة المريحة، كل ما في الأمر أن الوقت قد فات، وتلاشت فرصتنا في جلسة بوح جيدة تليق بالحب الذي تقاسمناه معا والألم الذي حملته وحدي. ثم إن كل الأحكام الصادرة في حقك لن تنفذ، أنت السلطة التنفيذية التي
سنة أولى زواج.. ماذا بعد؟!
إن كل الحقائق التي نكتشفها عن الزواج نتعلمها عندما نعيش داخل بيت الزوجية، عندما ينتهي شهر العسل وتدق طبول مسيرة طويلة من الصبر والكفاح اليومي بعيدا شيئا ما عن كل الأشياء التي تخيلناها من قبل بلون زهري، يخيل لنا أن الزواج هو تلك اليد الخفية التي ستنتشلنا من الحزن والوحدة والفشل وتجعل منا أشخاصا أفضل دون أن نفعل شيئا، فقط لأننا حققنا مالم يحققه "العزاب الذين نعتقد أنهم تعساء"، تزوجنا في حين أنهم لا يزالون في الضفة المقابلة بعدما أقلعت
ما بين النسيان و التوهم به
واهم من يعتقد أنه سيقفز يوما فوق ذاكرته متجاوزا كل ما مضى بكبسة زر. ومدلس من يخبرك أن الماضي يبقى هناك، بعيدا مظلما متواريا خلف حجب الحاضر. الإنسان يشبه بحيرة تشكلت منذ عصور خلت تجتمع فيها مياه البحر المالحة وانهمار المطر وسيول أنهار عذبة وبقايا برك آسنة، تختلط كلها لتعطي كائنا مميزا لا يشبه أحدا غيره. حتى طفولته التي لا يكاد يتذكر منها سوى مشاهد شاردة هي حاضرة بكل عزمها معه في حله وترحاله. تتحكم الأحداث الغابرة في طريقة تفكيرك
نفوس الناس
عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس، نجد أن هناك خيرا كثيرا قد لا تراه العيون أول وهلة.. لقد جربت ذلك؛ جربته مع الكثيـــرين، حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون أو فقراء الشعور.. شيء من العطف على أخطائهم وحماقاتهم، شيء من الود الحقيقي لهم، شيء من العناية ''غير المتصنعة '' باهتماماتهم وهمومهم، ثم ينكشف لك نبع الخير في نفوسهم.. حين يمنحونك حبهم ومودتهم وثقتهم، في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك، متى أعطيتهم إياه في صدق وصفاء
لسنا الكائن نفسه !
نقسم أن لا نقع في الحب بعد الخيبة الأولى ثم نهوي مستسلمين راضين بمجرد ما أن يداعب نسيم حب جديد ستائر قلوبنا. تصرخ الحامل أثناء الوضع أنها لن تكرر فعلتها ولن تسمح لجنين آخر باحتلال أحشائها مرة ثانية، ثم تعيد الكرة مرة واثنتين تصرخ خلالهما بنفس الوعد والوعيد. نفقد أبا أو أما، فيتحول الكون أمامنا لحفرة مظلمة لا يزورها الهواء، يصبح الاختناق رفيقنا الدائم، ونظن أن كل شيء بلغ منتهاه، الفرح والضحك والغناء. وينقضي عصر الحزن والنحيب لنعلن أخبار النجاحات
عالمك ليست زريبة
يجب أن تعتبر تواجد الآخرين في حياتك هو مكافأة لهم. لا أحد يستطيع الدخول لعالمك ما لم ينل ذلك عند جدارة و استحقاق.. عالمك ليست زريبة يضع كل عابر رجله بداخلها دون جهد أو رقيب. عالمك حصنك، قلعتك و جنّتك التي يلجأها الفائزون فقط. و أنت تقرر الفائز من الخاسر.
فرق التوقيت
أبناؤكم ليسوا امتدادا لكم .. لا يفكرون كما تفكرون، لا يؤمنون بما تؤمنون، لا يقدسون ما تقدسون، لا يخافون ما تخافون .. لكم قصة تكتبونها ولهم قصة يكتبونها. أن تنجب إنسانا لا يعني أن تنصب نفسك عليه إلها، أن تأتي بكائن بشري إلى الوجود في ساعة بهجة ونشوة لا يجعل منك سيدا عليه ولا سلطانا تضع سيفك وجيشك وزبانيتك على رقبته.
جبر الأرواح
هناك كائنات مضيئة، دافئة، تبحث عنك عندما تختفي فتجدك أينما كنت، تراك عندما لا تُرى، تُحبك عندما لا تُحَب، تتسلل إليك حافية القدمين و تتربع على عرش قلبك بسهولة و رقة، تجبر روحك جبرا جميلا، تضيئ يومك و ترحل بخفة تماما كما أتت.. ليشبه لقاؤها ضربة حظ أو ورقة يانصيب، تلك التي تحدث مرة واحدة.. و قد لا تحدث أبدا.
لا لشيء
في الجوع، في الشبع، في الزواج، في الطلاق، في الفقر، في الثراء، في العداوة، في الصداقة، في الأبوّة، في البنوّة، في الجنس، في الكتابة، في الرحيل، في البقاء، في الحرب، في السّلم، في الصّحة، في المرض، في الحزن، في الفرح، في الإيمان، في الإلحاد ، في الحب، في الكراهية.. وفي كل مناحي الحياة، هناك دائماً خطٌ أحمر يجب عدمُ تجاوزِه، لا لشيءٍ سِوى من أجل ألّا نرمي إنسانيتنا في الزبالة.
عالم الشكليات
عن أكثر الكلمات جدلًا، وأثقلهم وزنًا ومقاما، عن سلاح النّفْس الأول، النافذة التي مِن خلالها يَميز الإنسان غَيره، أصادق هو؟ -يتمشى قوله مع فعله-، أم أنه كالمِذياع، ينطق ولا يعمل، عن المبادئ ستكون رحلتنا. هل هي الكلمات المَوزونة الرنّانة بنغمات الشدة والثبات، أم إنها جوادٌ لا تُعرف حقيقته إلا في أرض المعركة؟ في عالمِنا -عالم الشكليات والنفاق- ما أكثر الذين يتغنون بالمبادئ والقيم! يرسمون لوحاتها على جدار الحياة فرحين، وفي مُخيلتهم أن ذلك أصوب الصواب، فإذا ما كانوا في المأزق
في سرداب الحرم الجامعي
" هددني مرارا بالفصل، وبنقاط لا تتجاوز الصفر، كان يتصل بي في وقت متأخر، محاولا خلق حديث سخيف، يعبر فيه كل مرة عن إعجابه وعن رغبته في الارتباط، طبعا خارج نطاق الزواج، فهو الدكتور الذي يتعدى الشباب بحفيد يلقبه بجدي في المجالس، والأماكن العامة، وبسن يعرقل مراهقته على بطاقة التعريف، ومظهر مغاير عن ذلك الذي يصدره في الجامعة، وكنت طالبة جبانة تخاف إعادة السنة، وعقوبة تتعرض لها من قبل الأولياء، كنت أحدثه بقرف مبالغ، خائفة من غضبه الذي قد يعصف
خيانة قريب
الانتصار كاملاً تحقّق منذ تم افتقاد الأبطال في طابور عدّ المساجين، وكل ما يتلو ذلك يقع في خانةٍ أخرى ولكنها حتماً ليست خانة شطارة العدوّ، فالعدوّ يحاول ترقيع صورته التي ثقبتها ملعقة.
أن تكون أبا!
يصعب على الكثير من الناس، ممن عاشوا في كنف آباء دكتاتورين متسلطين أن يستوعبوا وجود أب لا يجد غضاضة في اللعب مع ابنته التي تجاوزت سنها العشرين سنة و التي تناقشه و تحاوره و تخالفه الرأي و تجادله و تقنعه و تعاتبه و تبكي بين يديه و تضحك للمقالب التي تجعله ضحيتها و تخرج برفقه و تجالسه في المقاهي و على مرافئ البحار تحكي له عن أمالها و طموحاتها، تخبره عن كاتبها المفضل و ما تلبث أن تعدل عن رأيها
المبتغيات الانتخابية
لم تكن الانتخابات خلال طفولتي سوى فرصة لمزيد من الشغب في الشارع والأزقة وحتى المدرسة، الأوراق المتناثرة بألوانها المتعددة وشعاراتها التي تضم جميع حيوانات الغابة وأشكال الزهور والعصافير. مرور الرجال والنساء بلباس يدل على الحزب الذي ينتمون له، صراخهم الذي نشاركهم إياه رغم جهلنا بفحواه. مناسبة شيقة لقتل الروتين المدرسي والخروج مبكرا من الأقسام ليتمكن المعلمون من الالتحاق بحملاتهم. تضحكني وعود السياسيين، وعود حالمة تفوق مستوى الخيال وتتربع فوق عرش الأوهام. يكفي أن تستمع لكلام مرشح قضى عشرين عاما بين
سراديب العمر
هناك أحوال نمر بها من فترة لأخرى قد لا يفهمها أحد ممن حولنا، مهما تلاصقت أجسادنا وتشعبت أسرارنا. مثل شعور العجز المفاجئ الذي يلتهمك كإعصار يتيم حل فجأة، دون أن يتنبأ به علماء الطقس. عجز عن الحياة وعن الموت، حيث تصبح مهمة التنفس بالنسبة إليك أمرا شاقا يحتاج مجهودا جبارا لتحقيقه. فيدخل الهواء إلى صدرك كجمل يلج سم الخياط، يلج الجمل وينكسر الخياط وتُطحن أنت. الأمر أشبه بثقوب سوداء منتشرة على سطح عالمنا، والتي نهوي بداخلها دون توقعها فلا نتوقف