يُخلَق الإنسان من طين و ذكريات.. و ليس ثمة شيء أبهى من قدرته العظيمة على التخطّي.. أنت لا تعلم معنى أن يقف الإنسان أمام حياته ليجدها استحالت حطاما.. أن يطحَنه الخذلان و تتآمر عليه الأيام و يشعر أنه خسر كل شيء و يتمكّن بعد كل هذا من النظر في عين العاصفة و النهوض من جديد..

ينهض كأن الشكّ لم ينهش أحشاءه.. و يبتسم كأن أحلامه لم تدهس مرارا.. و يعيد كتابة قصته ليكون بطلها.. و يرمم نفسه ليصنع شيئا مدهشا يستحق المباهاة رغم كل الأذى.. إن الإنسان الذي يقف على حافة اليأس و يقرر أن يستمر لمعجزة خالدة، و أن يعاند المرء سوء حظه و أخطائه و عشرات العقبات و الأذى و وبيل من كلمات الإحباط.. و يقرر أنه أقوى و أهم من كل الكلاكيع.

تلك قوة جبارة..

جئني بشخص يعيد اكتشاف ذاته حتى لو حطم الأنين أضلاعه.. و يعيد ولادة أحلامه حتى بعد أن أجهِضت أحلامه السابقة و ولدت أخرى ميتة.. و يعود إلى الحياة ضاحكا بعد أذى طويــــل.. جئني بمن يلحق بالقطار العشرين بعد أن فاته الأول و الثاني و العاشر.. و يستمر في الزحف حتى لو سُحق حوض خاصرته.. جئني بمن يُشعل القناديل في السراديب المظلمة بدل أن يبكيها.. 

جئني بهؤلاء و سآتيك بكل الآمل المخزون على هذه الأرض..

أنا أُفتَن بالذين نهضوا من كل هذا.. الذين استطاعوا عبور النفق "رغم الخوف" بحثا عن النور.. الذين تحلّوا بشجاعة الاعتراف بالخسارة و لو يتوانوا عن المواجهة.. الذين يتباهون بنذوبهم ولا يخجلون منها..

هؤلاء يصعب تحديهم.. هؤلاء أطرى من الكسر.. و أكبر من الهزيمة.. و أطول عمرا من الخذلان..