مرت عدة أيام و (لين) لم تشارك بهم أي شيء لمتابعينها، مما زاد الريبة لديهم، والقلق من أن يكون قد أصابها شيء، تكدس هاتفها بكم من الرسالة مفيدها قلقهم، وطلبهم للمزيد خوفًا أن تكون فقدت رغبتها في مشاركتهم.
والحقيقة أنها منذ أن سافرت للفرع الرئيسي للشركة التي تعمل بها، وهي ليست بخير، فُتحت بداخلها نوافذ جروحها ليؤذيها الضوء المسلط على ندوبها ، وكأنها شمس حارقة في ذلك اليوم.
لم تكن واعية لشيء فقد تشعر بالتيه، تفعل روتين يومها بإستماتة لا تود فعل شيء، تود التوقف، تطالع حياتها، ولا ترضي على ما آلت إليه من حال.
لتقاوم شعورها، وتذهب متجهة نحو عملها، ولا شغف لديها لتكمل، ينحصر تفكيرها بالماضي، وذكرياته، تود أن تعود الأيام، يبقي الود، ولا يقترب الجفاء، الغياب دون سبب من علاقاتها.
لتمضي يومها في صراع مع الحنين، إنتهي يومها العملي، وتهبط من سلالم الشركة تنوي الرحيل، لينتابها دوار شديد، ليغشي عليها بينما سبق شعورها ذلك نغزه، وضعت يديها أثرها على قلبها، لترتطم بأرضية الشركة، ويهرول نحوها الجميع، طالبين الإسعاف لنقلها للمشفى.
ليسرع الأطباء بنقلها إلى غرفة العمليات، والجميع في حالة هرج، وربكة، ويسود الرواق بكاء، وعويل والدة (لين) الذي ازداد أكثر بعدما تسألت مترجية الممرضة عن حالة ابنتها لتخبرها بأنها قد أصيبت بجلطة.
لتنهار أكثر، وعواطف الأمومة تسيطر عليها، وتبقي في حالة ذهول من هول الموقف ابنتها، زهرة حياتها، تراها راقدة على سرير، ويلتف حولها جمع غفير من الأطباء، لإنعاشها لتعود للحياة مرة أخرى.
أما (لين) الذكريات تحوم حولها، جعلتها تقاوم اليأس، وتطفو من غرق الإستسلام على شاطئ الحياة مرة أخرى، ليطفو جسدها على المياه، دون حراك، بينما تحاوطها الذكريات كأسماك البحار.
تري نفسها بذكرياتها، تكتسح مع أصدقائها بالشوارع بسعادة تخالجها، تتحلل من كل ما يقيدها من هم، وحزن بمجرد الإلتقاء بهم.
كم جلست على رصيف الجامعة، وضحكاتها تنتشر في الأرجاء، وكم من كوب قهوة تذوقت معهم، والراحة تنبثق من هذا الجمع، وتنعكس في نفسها لتشق وجهها بسمة جميلة كانت تزين ثغرها.
تود العودة، والمحاربة مجددا بعد أن أزعجتها ملوحة بحر الحياة، تريد التروي، والنظر لمياه النيل العذب، بل وتبحر بوسط مياه، وأغاني محمد عبد الوهاب تصل لآذانها
بقوله: (وأنا قولتها كلمة كل شيء قسمة، ودي قسمتي
معارك )
لم تتحقق حلم التجول في المحروسة بأكملها، زيارة معالمها، تتشوق للذهاب إلى الأقصر، وأسوان عن طريق رفيق رحلاتها (القطار).
تذهب للمكتبة المتواجدة بالحي القابعة به، تطالب
صاحبها بإحضار عناوين كتب لم يسمع عنها من قبل، لكنه سيأتي بها لأجلها، فأنها قارئة المكتبة النهمة، وتعد من أهم قراؤها، بينما تتحدث مع صاحبها تدلف نحوهما صديقتها، ليجلسا، ويدردشان سويا، وتصب عليها أحداث اليوم الماضي، وتحكي ، وصديقتها تستمع بحب.
إن تقوم بصنع كوب من القهوة لأجل صديق طفولتها، وتخرج مقدمة إياه له بينما تناظره بفضول طفلة، لتتمكن من معرفة أنها نالت إعجابه أم لا، لتعبس في كل مرة تري تعبير الإمتعاض على وجهه.
أن تجلس بغرفتها، ركنها الأمان، لتستريح من تعب يومها الحافل بالمهام، وتقرأ كتبًا لعلها تجد فيه ضالتها، وتبحر في عوالم الخيال، مبتعدة عن دنائة العالم.
ليقاطعها صوت إدارة مقبض الباب بعجل، ويدلف أخويها للجلوس معها، يتحدثان عن تفاصيل يومهما، إفراغ مكنون صدرهما لبئر فؤادها.
ترغي بأن تذهب كل أخر جمعة من كل شهر للمقابر، لزيارة جدتها الحنون، تقوم بسقي الزرع حولها تارة، وتارة أخرى تخرج ما طبعتها لها، لتستريح فأكثر شخص حبها كانت هي.
إن تقوم بمفاجأة عمتها، وودها، والتقرب لها فهي تشبه جدتها كثيرا، لذا تقبل يدها عند رؤيتها، محاولة منها أن تستمد وجود جدتها بها.
أن تجالس بنات العمة، ويمرحن معًا، يقمن بصنع كعكة، وأحيانًا تذهب معهن لزيارة باقية الأقارب، وبعدها تعود للمنزل لتغفو، وتستيقظ على صوت هاتفها يعلن عن مكالمة صادرة من صديقتها، ليتشاركا تفاصيل البارحة، لتنهض بعدها لتتوال أمور المنزل من تنظيف وغيرها في يوم أجازتها، لتتناول الغداء، وتنهض سريعا لتلحق موعدها مع حبيب فؤادها.
لتمضي باقية اليوم برفقته، في التنزه، والضحك، والتحدث في عدة أمور، والسعادة تنبعث من صوتها، نظراتها، بسمتها، فقد فرغ نفسه من الأشغال لأجلها، لأجلها وحدها وهذا سبب يجعلها تحلق في الآفاق كطائر حر.
لتعد للمنزل بعد تذمر، وتوبيخ من والدتها لأن أخيها أصابته الغيرة من إنها تتواجد برفقته كل هذا الوقت.
وتعود للمنزل بعدها متذكرة تفاصيل اليوم، وعينيها تطالع سقف حجرتها.
وتنهض بنشاط وتذهب للمكتبة لتقص على صديقتها كيف مضي الأمس بكثير من الحاوي التي لم تمل ولن تمل منها صديقتها.
لتقرر فجأة (لين) العوم في مياه البحر هذا فملوحته تصيبها بالتآكل لتغوص عائدة للحياة مرة أخرى مقاومة كل ما يعيقها في إعادة حدوث ذكرياتها هذه.
لتفق وتري نفسها في غرفة محاطة بعدة أجهزة من بينهما جهاز تنفس، تذكرت مقاومتها للنجاة من إختناق أصابها أثر الغوص في مياه البحر المالحة.
لتذهب في سبات نوم أثر المنوم الممزوج بالمحلول الموصل بيدها، وتستيقظ على وجودها والديها، وأخيها ولكن لحظة أين هو؟
تسائلت بحيرة.
لتتأكد من عدم وجوده.
_وتشعر بالغربة، والأمان يهجرها، وارتحال بسمتها عن شفتيها، وتلك المشاعر الموحشة المكتظة داخلها، رغم الأشخاص المحيطة بها، إلا أن عيناه كانت وطنها الحبيب المنعم بالأمن والأمان الذي يبعثه في فؤادها.
(تبقى أنت اللي مهاجرني وأنت اللي ظالمين وفاكرني نترجاك )
لاح بذهنها جملة (محمد عبد الوهاب) لتزفر ببطيء.
#حنين_مغلف_بالذكريات
#حكايات_نمنم_ل30_يوم_غيركل_يوم
#منة_محجوب
#خواطر
#خربشات
#شعر
#خربشات
#قصائد
#كتابات
#أدبيات