تكونت شخصياتنا ونحن نسمع عن حفظ الكرامة وعزة النفس وقيمة النفس. ولكنّها مصطلحات تظلّ متشابكة المعنى ونسبية المفهوم ومبهمة الغرض. من البديهي أننا كمخلوقات مكرّمة ومفضّلة، نحرص دائما على الحفاظ على أنفسنا والارتقاء بها لأن كل نفس غالية عند صاحبها. ولكن كيف يكون الحفاظ على النفس؟ أهناك معايير وقوانين وخطوط عريضة يجب أن نتبعها؟ من حدّد هذه المعايير والقوانين؟ وبناءً على ماذا نجعلها تحكمنا وتوجه تصرفاتنا وتقرر مصيرنا؟ تساءل!

إنّنا نعيش في حيز ضيق ومزحوم، مرسوم بالمسطرة والقلم، وخلط فادح في التقييم والتمييز، وتوهان محزن يتعارض بشدّة مع مضينا قدمًا. صرنا نتعامل مع النفس وكأنّها فريسة سهلة الإيذاء، ضعيفة البناء، وقليلة الحيلة إلى حد تسييجها بأسوار معقدة من المفاهيم غالبا ما تكون ذات معنى مغلوط وحسّ محدود. وهُنا يصبح السؤال أهي قيمة نعطيها للنفس أم إهانة؟ أليس التقليل من قوة النفس وتقييدها وكبتها بين جدران من المفاهيم المتبلّدة بإهانة لها؟ تدبّر!

إنّ النفس مثل الطفل الصغير، إمّا أن تجعلها تنطلق، تُغامر وتتحدى وتسقط وتتأذّى وتتعلّم من التجربة، وإما أن تكتمها، تخاف عليها وتحميها من الخدش وتمنع عنها الممارسة، وتوقفها عند أي خطوة يمكن أن تؤديها بأي شكل من الأشكال. النفس الأخيرة تتطلّب منك أن تكون دائما موجودا، تحتاج الطبطبة والعناق كأمّ تهمس في أذن صغيرها بأنّ كل شيء سيكون على ما يُرام، تحتاج الدرع الذي صنعته لها باستمرار… هل ستضمن ذلك؟ هل أنت مستعد لحمايتها في كل مرة وإن كثرت المرات؟ اختر!

أنت من يُحدد أي نوع تكون نفسك، تملك طول مدة عيشك كي تكون من تُريد ولتحديد ذلك يجب أن تُعيد النظر في المفاهيم المرتبطة بقيمة النفس وكرامتها وعزتها.

ليس كلّ ما يتعارف عليه أهل بيئتك مناسب لك أو لما تعيشه الآن أو لما ترغب في عيشه في المستقبل، فكل مفهوم يُعتبر نسبيا بحسب الشخص ووضعه. إنّ الله الحاكم بجلاله لم يجعل للعُرف حكماً علينا. فالمطلق أنّك أنت من تضمن العزة لنفسك وإن يرى الخارج في تصرفك ذاك مذلة، أنت من تصنع كرامة نفسك بناءً على المفهوم الذي تؤمن به والذي أوصلتك إليه مدرستك الحياتية، أنت من تعطي القوة لكل ما هو خارج عن كيانك لتحديد قيمتك وأهميتك وكلّ ما يخصك وليس العكس. فأعط لكلّ ذي حق حقه ولا تطغ ولا تتغاض عما هو لك. لا تكن كالغريق بين ضفتين، اختر ضفتك واسبح نحوها!

تذكر دائما أنك مهمّ جدًا وقيّم جدًا، تذكّر ذلك ولا تنتظر أحدا ليُذكرك. أنت تركيبة عقل يُميز وقلب ينبض ومداد البحر الذي يوجد بينهما. لا تُقيّد قيمتك بمفاهيم جعلها غيرك جامدة وصلبة إلى حد الكسر. لا تكسر شيئا في وجود خيار الترميم، لا تختر الجمود في حال وجود ليونة الفهم وتغيير منظور الزوايا. لا تحبس نفسك في سجن ليس لك يد في الدخول إليه، اختر الحرية وحلّق بمفاهيمك في سماء تعرف سُحبها ومطرها ورعدها. كن شُجاعا فالشجاعة تليق بك!

اعلم أنّك إن تنازلت يوماّ عن مبدإِ اتضح لك أنه يعيق تطورك الذاتي، لن ينقص ذلك من قيمتك شيئا وإن تكلّم المتطفلون. على عكس ذلك، فإنّ قيمتك ستعلو ما دمت أنت من يُحدّدها وليس العالم الخارجي. اعلم أنّك إن اخترت أن تُسامح عزيزا مع بشاعة الأثر الذي حفره في داخلك لن يقلل ذلك من كرامة نفسك في شيء، طالما يجلب لك السلام النفسي. واعلم أنّ عزة نفسك تكمن في تهذيبها، وتأديبها، واعتذارها بعد الإخفاق، وتواضعها، وتكبّرها، وإظهارها، وإخفائها لبعضها وتناقضها وتكاملها. تذكر قول الخالق: {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا} لست بالهيّن، فلا تدعهم يبسّطون كينونتك وكأنّها معادلة حلها X أو Y.

لذلك، أرجوك تنازل عن ذلك المبدأ الغبي الذي كبُرت عليه واكتشفت أنه لا ينفعك في شيء، تخلّص منه لأن حجمه أصغر من أن يُكبّل قيمتك به، تكلّم مع عزيزك الذي أخطأ في حقك وقلّل من شأنك واسمعه لعلّ عذره صالح، وتأكّد أنّ فعلك لهذا لن يضر عزة نفسك في شيء ما دُمت أنت من يُعزها، بادر بفعل ما يمليه عليك قلبك ولا تستهن بحكمة القلب، اتبعه حتى وإن لم يكن ما يمليه من المألوف أو الدارج, فإنّك أنت من تحفظ كرامتك ولو اختلفت عن الآخرين.

خالف العرف ولا تتبع خطوات – لا تُفيد ولا تُغني- رسمها أحد غيرك، تتماشى مع وضعه ولا تتماشى مع وضعك، فربّما لم تكن لديه الشجاعة كي يغيّرها، فكن أنت الشجاعة واختر لنفسك الحياة الكريمة العزيزة مثلما يحلو لك، وأنعم بالهدوء الداخلي، فالحياة ماهرة في افتعال المشاكل وجلب الضجيج بما يكفي.