في خضمّ الحياة وتسارعها، وبين ضجيج الأفكار وتزاحم التساؤلات، يقف الإنسان أحيانًا حائرًا يتأمل:
**"لماذا جئت إلى هذه الدنيا؟ إلى أين أسير؟ ما الغاية من وجودي؟"**
تبدو هذه الأسئلة قديمة قدم الإنسان ذاته، لكنها ما زالت تتكرر، رغم أن الجواب قد قُدم له منذ الأزل.
فالخالق – سبحانه – لم يترك الإنسان يتخبط في الظلام، بل أنار له الطريق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، وبيّن الغاية بوضوح لا لبس فيه:
قال تعالى"وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون."(الذاريات: 56)
فإذا كانت الغاية واضحة، فلماذا لا يزال البعض يتساءل؟
لماذا يقضي الإنسان سنوات من عمره يفتّش عن معنى الحياة، وهو يحمل بين يديه كتابًا سماويًا يخبره بكل وضوح: من هو، ولماذا خُلق، وما هو المصير؟
---
### الجهل المجهول... والعلم الذي يحرر
الجهل هنا ليس فقط غياب المعرفة، بل هو غياب التوجه، ضياع البوصلة. كثير من الناس يظنون أنهم "يعرفون"، لكنهم لا يسيرون.
وكأنهم يحملون خريطة الطريق ولا يبدؤون الرحلة.
المعرفة ليست في المعلومات، بل في الوعي. أن تدرك أنك في اختبار، وأن لحياتك غاية، وأن الجنة والنار ليستا رموزًا بل حقائق – هذه هي المعرفة الحقيقية. وما دون ذلك، ترف فكري لا يقدّم ولا يؤخر.
---
### السؤال الخاطئ... والإجابة الواضحة
"لماذا نحن في الدنيا؟
سؤال قد يبدو عميقًا، لكنه في الحقيقة **أُجيب عنه منذ البداية**. فالقرآن الكريم بيّن لنا من نحن، ولماذا خُلقنا، وما الذي ينتظرنا بعد الموت.
لكن المشكلة لم تكن يومًا في غياب الإجابة، بل في غياب **الإصغاء**.
> كثيرون يقرؤون القرآن بأعينهم، لا بقلوبهم. يسمعون، لكن لا يتدبرون.
ولهذا قال الله تعالى:﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾** *(الأعراف: 204)*
› فالرحمة لا تُنال بكثرة التلاوة فقط، بل بحضور القلب، والإنصات، والتأمل في المعنى.
> إن الذي يقرأ القرآن بسطحية، كأنما يمر على أبواب مغلقة دون أن يحاول فتحها. أما الذي ينصت بقلبه، فإنه يسمع نداء الله إليه في كل آية، يرى الغاية، ويشعر بثقل الأمانة، ويسير في الطريق.
---
### اختبار ليس هيّنًا
حين ندرك أن الدنيا دار اختبار، نفهم لماذا لا تسير دائمًا وفق ما نريد. الجنة – وهي غاية المؤمن – **ليست شيئًا هيّنًا**، بل سلعة عظيمة لا ينالها إلا من تعب، وجاهد، وتزكى، وسار على نور من ربه.
قال النبي صل الله عليه وسلم:
**"ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة."**
فلا يصح أن نقضي أعمارنا في التفكير فقط، بل يجب أن ننتقل من مرحلة التساؤل إلى مرحلة **العمل والبذل واليقين**.
---
### الخاتمة
من عرف أنه في امتحان، لا يُضيع الوقت في التساؤل، بل يُجهّز إجاباته.
ومن أيقن أن وراء هذا الوجود حكمة، لا يسقط في فخ العبث.
ومن علم أن الله أجاب عن كل شيء، فلا يسأل "كيف سنُسأل؟"، بل يستعد ليُجيب.
> **العاقل لا يسأل: "لماذا أنا هنا؟" بل يقول: "ماذا سأفعل وأنا هنا؟
التعليقات